شعارات وتمائم فنيَّة

بانوراما 2021/08/03
...

 جيف داغديل 
 ترجمة: مي اسماعيل
ابتكرت المدن المضيّفة شعارات وتمائم رسمية للألعاب الأولمبية التي تقام على أراضيها؛ وكانت تلك التمائم رموزا وطنية لجلب الحظ، وصارت لوحات فنية وخلدت بعضها الطوابع البريدية المحلية والدولية، وباتت مصدر بهجة لهواة جمع الطوابع منذ الستينيات؛ كما أثبت بعضها أنها أكثر شعبية من غيرها..
عادت الألعاب الأولمبية الصيفية الى العاصمة اليابانية طوكيو مرة أخرى، في دورة تنعقد منذ 23 تموز حتى 8 آب الحالي، بعدما ضيفتها عام 1964 للمرة الأولى. وستكون الدورة الحالية واحدة من الأغرب في تاريخ الألعاب الأولمبية، بسبب وباء كورونا. ورغم أن الألعاب الأولمبية ألغيت عدة مرات في تاريخها بسبب الحروب العالمية (سنوات 1916، 1940، 1944)؛ لكن هذه الدورة هي الأولى التي تأجلت لسنة كاملة؛ ومن ثم أصبحت الأولى التي ستقام في سنة فردية الترقيم، ولن يُسمح إلا لعدد قليل من المشاهدين بحضورها. رغم كل الظروف تبقى الألعاب الأولمبية هي المهرجان الرياضي الأكبر والأشهر منذ أن بدأت في أرض الإغريق القديمة، وأُعيد تنظيمها مرة كل أربع سنوات على مستوى العالم منذ سنة 1896. 
للحركة الأولمبية شعارها الخاص المعروف عالميا؛ وهو {الحلقات الأولمبية} الخمس المتداخلة ذات الألوان المختلفة، التي جرى تقديمها سنة 1913. لكن المدن المختلفة التي تستضيف الألعاب الأولمبية أصبحت تقدم شعارها الخاص؛ إذ انصب الاهتمام خلال الدورات الأولى على تصميم ملصق (بوستر) وليس شعارا أو تميمة.
ظهرت الشعارات الرسمية منذ سنة 1924 في أولمبياد باريس؛ لكن أغلب تصاميمها كانت معقدة بحيث يصعب استخدامها بالمقياس الصغير. ولم تصبح الشعارات مناسبة لإعادة الانتاج بشكل طوابع أو دبابيس حتى أُنيط تصميمها بفناني الغرافيك لتقديم رموز تجريدية بسيطة. للمفارقة؛ كان أولمبياد طوكيو سنة 1964 أول من وضعت شعاراته على طوابع بريدية. وبدأ ظهور التمائم {Mascots} في العقد التالي؛ مما أضاف بعدا جديدا للطرق التي يجري بها الترويج للأولمبياد. (التميمة تمثيل لأي إنسان أو مخلوق يُعتقد أنه يجلب الحظ، أو أي شيء يستخدم لتمثيل مجموعة ذات هوية عامة مشتركة- المترجمة). 
 
رمز عالمي
في أولمبياد مكسيكو سيتي سنة 1968 ظهر أول شعار مصمم خصيصا ليكون قابلا للتكرار على جميع أنواع الوسائط؛ وهو ذا نمط حداثي ملفت للنظر أعتُبر كلاسيكيا في التعبير عن مرحلته. من ابتكار المصمم الأميركي {لانس وايمان}؛ الذي ابتكر خط الطباعة {ثلاثي الأسطر} الخاص به، المستوحى من الأنماط الموجودة في الفن المكسيكي التقليدي. واستغل الأشكال المدورة لرقم 68 (سنة الاولمبياد) وأدخل ضمنها الحلقات الأولمبية.
استخدم هذا الشعار في جميع أنواع المواد الترويجية في البلد المضيف؛ كان منها سلسلتان من الطوابع البريدية التي عرضت أنواعا من الرياضات، واصدارات اخرى حملت رموزا ثقافية للألعاب الأولمبية؛ مثل الشعلة وحمامات السلام وميداليات الفوز.
أما شعار أولمبياد ميونخ سنة 1972 الذي قدمه مصمم الغرافيك الألماني {أوتل آيشر} فقد ضم رمزا حلزونيا، يهدف للإشارة إلى الوحدة العالمية والشمس؛ رغم انه يصوّر غالبا باللون الأزرق. ومع أن ألمانيا اصدرت سبع مجموعات من الطوابع (بين أعوام 1968 - 1972) لكنها لم تضمنها الشعار الأولمبي؛ الذي أصبح رمزا لبطاقات اليانصيب، وما زال كذلك حتى اليوم. وظهرت هنا أيضا أول تميمة لجلب الحظ، على شكل الكلب الألماني {وولدي}. 
قد لا يتفق جميع المشاهدين على النمط الفني (على الأقل) لتصاميم شعار الأولمبياد؛ وهذا ما واجهه تصميم شعار أولمبياد مونتريـال (كندا) سنة 1976. من تصميم مصمم الغرافيك الكندي {جورج هول}، ذو تشكيل بسيط وقوي حوّل الحلقات الأولمبية الى رمز ثلاثي الأبعاد يُلمّح للحرف {M}. لكنه لم يحظ بالتقدير المناسب؛ واعتبره البعض أشبه بإعلان للمناديل الورقية! أما التميمة فكانت لحيوان القندس {آميك}. 
كان شعار أولمبياد موسكو سنة 1980 تجريديا بسيطا، لكنه حمل توجها سياسيا؛ ينطق بشكل الأبراج الشاهقة للكرملين وتعلوه نجمة حمراء تلمّح إلى تفوق الاتحاد السوفيتي. 
ظهر الشعار في مجموعات طوابع متعددة، في الاتحاد السوفيتي ودول اخرى منها- هنغاريا وليبيا. وعلى النقيض تماما من الشعار التجريدي؛ كانت التميمة للدب الروسي السمين {ميشا}، مرتديا حزاما مخططا يحمل الحلقات الأولمبية، وكان أول تميمة تظهر على طوابع البريد. كذلك حمل شعار أولمبياد لوس أنجلوس سنة 1984 ايحاءً سياسيا؛ تمثل بالعلم الأميركي؛ إذ قدم خطوط العلم ونجومه، مجتمعة بألوان الابيض والأحمر والأزرق.
ظهر الشعار في طوابع دول عديدة؛ ولكن ليس أميركا! أما التميمة فكانت من تصميم مؤسسة {والت ديزني} لنسر أميركي اسمه {سام}. أما أولمبياد سيئول سنة 1988 فمثل تميمتها نمر سعيد اسمه {هودوري}؛ يرتدي قبعة كورية تقليدية، يعلوها شريط ملتف بشكل حرف {S} تعبر عن اسم المدينة، وقلادة الحلقات الأولمبية. وشهد أولمبياد برشلونة سنة 1992 ظهور أول شعار مصمم بأسلوب حداثي جديد؛ بسيط وذكي، يمثل رياضيا يُدحرج أمامه الحلقات الأولمبية. كذلك جاءت تميمة برشلونة لتمثل كلبا من جبال البيرانس مرسوما بأسلوب تكعيبي. 
جمع شعار أولمبياد أطلنطا سنة 1996 بين وميض الحداثة وتوقير التقاليد؛ بصيغة شعلة أولمبية براقة الألوان تستقر على رقم {100}؛ اشارة للذكرى المئوية لبدء الألعاب الأولمبية في العصر الحديث، مع تلميح يشابه عمودا اغريقيا أيونيا.
بدأ مفهوم التجريد يطغى على شعارات الأولمبياد؛ وكان أوضح أمثلته شعار ألعاب سيدني سنة 2000 من تصميم {ميشيل برايس}؛ الذي حاكى شعار برشلونة ولكن بالتفاتة ذكية بالطريقة التي ألمح بها إلى أشكال البوميرانج ودار أوبرا سيدني، وكلاهما رمز استرالي خالص. ولأول مرة كانت هناك ثلاثة تمائم، حملت اسماؤها استعارات ذكية: {أولي} (مبيك)، و{سِيد} (ني)، و{ميلي} (ينيم)؛ وجميعها حيوانات استرالية. 
 
اكليل الزيتون
عادت الألعاب الأولمبية الى موطنها الروحي سنة 2004 وأقيمت في أثينا؛ فكان من المناسب عودة الشعار الى المنظور الكلاسيكي. صمم {وولف أولنس} شعارا حمل اكليل الزيتون الذي يُقدم تقليديا للفائز الأولمبي، ملونا بالألوان القومية اليونانية، وظهر الشعار في ميداليات الفوز الرياضية.
وكانت التمائم {أبوللو} و{أثينا} من الأساطير الاغريقية؛ مقدمين بأسلوب تماثيل الطين. وتميزت أولمبياد بكين سنة 2008 بعدة اشارات ضمن رمز واحد تمثل بختم باللون الأحمر (لون الصين التقليدي وعلمها)، ولاعب يركض بأيدي مفتوحة مرحبا بالضيوف، وكلمة {جينغ} (العاصمة) مع طيف يمثل التنين. لكن بكين تميزت بتمائم الحظ الخمسة: سمكة وباندا وطفل وغزال وسنونو؛ العدد الأكبر في أي أولمبياد، وتشكل أسماؤهم معا عبارة {مرحبا بكم في بكين}. أما شعار أولمبياد لندن سنة 2012 فكان نمطيا وتجريديا جدا. لكن شعار ريو سنة 2016 جاء ملونا يحوي عدة اشارات: ثلاثة اشخاص يمسكون بأيدي بعضهم بروحية الوحدة، تشير ألوانهم الى الشمس والبحر والغابة. ويُذكّر تكوينه العام بجبل شهير في العاصمة. 
من تصميم الفنان الياباني {آساو توكولو}، جاء شعار أولمبياد طوكيو الذي طال انتظاره ليعبر عن.. {الأناقة والرقي الذين يجسدان اليابان}. أما التميمة فيحاكي مظهرها الشعار بمربعاته الزرقاء والبيضاء، واشتُق اسمها {ميرايتوا- Miraitowa} من كلمتي المستقبل والأبدية؛ لتوحي بالتفاؤل لكوكب الأرض. 
 
مجلة {ذا ستامب}