العمر الافتراضي للأغنية

الصفحة الاخيرة 2019/02/23
...

سامر المشعل
كانت الأغنية رافدا ذوقيا مهما، تعكس بذات الوقت المستوى الثقافي لمطربها والمشتركين بصياغتها كالشاعر والملحن.. وكانت مؤسسة الاذاعة والتلفزيون تضع لجنة لحماية الذوق العام، وهي لجنة فحص الاغنية من حيث الكلام واللحن والصوت.. المبدأ العام لهذه اللجنة الارتقاء بالذائقة السمعيّة.
بالفعل تجسّد عطاء هذه اللجان، فأصبح المستمع العراقي في عقد السبعينيات من القرن الماضي، ذا ذائقة منفتحة على الجمال وتحسس صور الابداع في الاغنية.. وكانت الاذاعة الى جانب بث الاغاني العراقية الجميلة والتي تعكس الترجمة الحسية للمشاعر الانسانية في مخاطبة الحبيب والوطن ومفردات الحياة بكل جوانبها.
تختار بعناية طبيعة الاغاني العربية التي تبث في اوقات اليوم المختلفة، من فترة صباحية الى الفترة المسائية.. تخصص اوقاتاً لبث أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفيروز وغيرها.. فضلا عن برامج الاذاعة المنوّعة والتي تصب في إغناء ذائقة المستمع والارتقاء بها. 
نجحت الاذاعة في استقطاب جمهور المستمعين بلهفة وشوق.. وكان الناس ينظرون الى مطرب الاذاعة والتلفزيون بنظرة مؤطرة بالتقدير والاحترام.
وعندما أسأل بعض الفنانين الكبار عن الأجور التي تقاضوها عن أغنيات كبيرة مثل أغنية “ياطيور الطايرة” التي تقاضى عليها سعدون جابر عشرة دنانير، وأغنية “لا خبر” التي تقاضى عليها فاضل عواد ستة دنانير، وأغاني مثل “يانجمة” و “ياحريمة” و “عيني عيني” هذه الاغاني لم تتجاوز أجورها الاثني عشر دينار.. مع اختلاف قيمة النقود بين زمن السبعينيات من القرن الماضي والوقت الحالي.
نجد أنّ أجور هذه الأغاني ضئيلة، بل تافهة قياسا بقيمتها الفنية، التي لا تُقدر بثمن، وبقاء هذه الأغاني معمرة في الذاكرة الابداعيّة على مدى أجيال متعددة.
بينما نجد أغاني تنتج بعشرات الآلاف من الدولارات، ليست لها قيمة فنية ولا تلبث إلّا أياما معدودة، ثم تذهب أدراج الرياح، ولم يعد أحد يتذكّرها.
الفرق بين الاثنين، أنّ مطرب أيام زمان كانت مهمّته إسعاد الناس وأما مطربو هذه الايام فكل همّهم الشهرة وجمع المال بأسرع وقت ممكن، وحصد أكبر عدد من اللايكات والصديقات.