كتاب {فن الحرب في زمن السلام}

بانوراما 2021/08/05
...

 مايكل أوهانلون
 ترجمة: شيماء ميران
بعد عدة أشهر من عمر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لم يعد ترياق أحادية دونالد ترامب كافيا، فهناك حاجة لرؤية اكثر تطلعية وإطار تصوري للسياسة الخارجية، فكيف يجب عليهم رؤية تحديات الامن القومي والسياسة الاميركية المطلوبة لتنفيذ ذلك؟.
 
لقد فُرضت جميع مشكلات السياسة الخارجية الأميركية على رأس المشكلات الاخرى، كالمناخات الدفيئة وفيضان المحيطات وانتشار الاوبئة. ما يشير إلى انه على بايدن ان يكون متنبها اكثر للمزيد من التهديدات التي واجهتها الدولة ذات مرة. ومع كون جميع تلك التهديدات حقيقية، وما تسببت به جائحة كورونا فايروس بمعاناة في معظم دول العالم، فهناك حالة تفاؤل. فلم يكن العالم اكثر ازدهارا وديمقراطيةً بالنسبة لبعضنا على الاقل، هناك سعادة وأمن. ومع أن تناقض هذه الوقائع المتنافسة بحاجة لأن تكون مفهومة بشكل صحيح، لو كانت السياسة الخارجية الاميركية مناسبة للمخاطر التي تواجهها البلاد.
من الواضح عدم وجود اساس للقناعة والتخندق او خفض الحماية الاميركية، (رغم انه على ما يبدو ادارة بايدن قد ارتكبت خطأ فعلا، حين قررت الانسحاب من افغانستان على امل سهولة احتواء المخاطر بدون وجود أميركي أو أممي). كما إن اميركا ليست بحاجة للمبالغة في رد فعلها تجاه اي استفزاز صيني أو روسي. فالنظام العالمي يتآكل من اطرافه قليلا لكن مركزه لا يزال قويا. وإدراك هذا التشخيص بشكل صحيح تماما امر مهم، ان تجنبت اميركا هاتين القوتين وواجهت التهديدات المحتملة والملموسة بردة الفعل فقط.
 
ضبط النفس
لقد حدد السياسي والستراتيجي الاميركي جورج كينان في بداية الحرب الباردة بعض اجزاء العالم الاهم بالنسبة للأمن الاميركي من غيرها. واعطى الاولوية لبريطانيا وأوروبا الغربية وروسيا واليابان. اما اليوم، فيجب إضافة الجزء الرئيس من شرق اسيا واجزاء من الشرق الاوسط إلى القائمة. ورغم القضايا المسيطرة على العديد من العناوين الرئيسة اليوم، كقضايا اوكرانيا، وسوريا ومقاطعة شينجيانغ الصينية، لكنها ببساطة لا تمثل مركز الامن الاميركي.
يشير كتابي (فن الحرب في زمن السلام) إلى الستراتيجية الاميركية الكبرى وضبط النفس الحازم، وأن اميركا تحتاج إلى سياسة خارجية افضل. ويجب ان تكون ستراتيجية بايدن للامن القومي حازمة في التزاماتها بالدفاع عن المناطق الاساسية والسكان والسياسات واقتصادات حلفاء اميركا، فضلا عن السماء والمحيط المفتوح الحر والتي يعتمد عليها الاقتصاد العالمي. كما سيتعين على فريق بايدن ان يتذكر معطيات الضغوط السياسية المحلية هذه ومحاولة فعل شيء ما بشأن القضايا العالمية. فيجب مثلا ان تكون الادارة حذرة بشأن أي توسع اضافي للتحالف. ويجب ان تظهر السياسة الاميركية الحالية بشك شديد سعيها إلى إدخال اوكرانيا وجورجيا لحلف الناتو، او ادخال دول اخرى خارج الجوهر الستراتيجي للغرب في تحالفات رسمية.
وهناك حاجة لإظهار ضبط النفس في اية بداية لعمليات قتالية. وتشير مصادر غير سرية الى ان البنتاغون سيدرس التصعيد العسكري السريع في حال حدوث ازمة تورط الصين في جزر سينكاكو غير المأهولة، والتشكيلات البرية لبحر الصين الجنوبي او تايوان. لكن نهجا كهذا قد يحمل مخاطر كبيرة. وبدلا من ذلك ينبغي ان تتجنب اميركا اراقة اول قطرة دم في أي مواجهة بين القوى العظمى. كما ينبغي تجنب القتال في الدول القريبة من الاراضي الصينية والروسية والعمل على نقاط القوة في تلك الدول. وإذا قامت الصين بمحاصرة تايوان، فيتوجب على اميركا استخدام الحرب الاقتصادية ومهاجمة الصين، والرد بتقييد الشحن المتجهة للصين عبر المحيط الهندي، بدلا من السعي المباشر لكسر الحصار بالقوة العسكرية.
 
استثنائيَّة أميركيَّة
تعرف ستراتيجية ضبط النفس الحازم بصعوبة من خلال ثلاثة اهم نقاط عن الامن العالمي في القرن العشرين، اندلاع الحربين العالميتين الاولى والثانية، وعدم اندلاع الحرب الثالثة، وسبق فك ارتباط اميركا في النقطتين الاولى، وفي النهاية ساهم التزام اميركا بتحالفات واضحة وقوات عسكرية منتشرة في المقدمة بشكل كبير. وهي من اهم الامور التي يجب معرفتها عن العلاقات الدولية الحديثة. ورغم جميع العيوب والاخطاء الاميركية، لكنها لا تزال استثنائية في قدرتها على ردع الحرب بين القوى العظمى، نظرا لحجمها وموقعها ونظام التحالف الخاص بها والقيم العالمية التي تسعى لتعزيزها، حتى وان سقطت هذه القيم احيانا داخليا او خارجيا. فلا توجد اليوم مجموعة دول بديلة او منظمات دولية يمكنها ان تدعم النظام العالمي بالنجاح ذاته.
كان وزير الدفاع الاميركي السابق روبرت غيتس مولعا بقول: إن اميركا لديها سجل حافل بتوقع الحرب القادمة، وكان دائما يُفهم خطأ. وهو تحذير صحيح وحكيم، لكن هناك جانبا مفرحا، فحين تعمل الدولة على تجنب الحرب في مكان معين بتحالفات قوية وانتشار قوات عسكرية اميركية متقدمة، فانها تنجح عموما. ولهذا لا تنشب حروب في هكذا اماكن، لان اميركا بالفعل توقعت احتمالية القتال واتخذت خطواتها لتجنبها. ولهذا لا ينبغي على اميركا تغطية العالم باسره بغطائها الامني، بل فقط في المناطق القريبة من روسيا والصين. ويجب استخدام القوات العسكرية الاميركية اولا لدعم ما يسمى مركز النظام العالمي القائم على القواعد، وهي الاستقرار الاساسي للبيئة العالمية، وردع الحرب الرئيسة التي تضم حلفاء اميركا الكبار او اميركا نفسها، واهداف مهمة اخرى ايضا، كقضايا حقوق الانسان والسياسة البيئية واستقرار المناطق النائية البعيدة او ما يدعوه البعض بالنظام الليبرالي، ولكن بتأنٍ وبعيدا عن الوسائل العسكرية.
سيكون تنفيذ هذه الستراتيجية صعبا حتى ان تمكنت اميركا من تحقيق جزئية ضبط النفس بشكل صحيح. وبينما لا يتطلب انشاء قوة عسكرية ضخمة، فعلى ما يبدو سيستدعي الامر استقرار ميزانية الدفاع الاميركي حول مستواها الحالي الحقيقي، بدلا من تقليصها بشكل كبير كما يفعل بعض اليساريين، أو توسيعها بنسبة ثلاثة إلى خمسة بالمئة سنويا بشروط معدلة حسب التضخم، كما يفضل كبار الحزبين السياسيين.
فالدفاع عن الحلفاء الموجودين وعوامل الاقتصاد العالمية الرئيسية اليوم، نعم. لكن التخلي ايضا عن المزيد من توسيع التحالف وخطط الحرب الطموحة، فلن يكون من السهل العثور على كلمات لنقل هذه الرسالة بطريقة ملهمة وواثقة، والأهم تنفيذها جيدا. 
 
عن مجلة ناشينال انترست الاميركية