فن الإصغاء

ثقافة 2019/02/23
...

  حميد المختار 
 

 الاصغاء فن ، كلنا يعرف ذلك وله قواعد وقوانين واتيكيت ، فضلاً عن كل ذلك فهو خلق ديني ومجتمعي وقد ذكر في القرآن الكريم ( وتعيها اٌذُنَ واعية ) بمعنى انك حين تستمع لحديث ما فانك ستعي ماتسمع وتتفاعل معه وقد تنتج من خلاله افكاراً ، وقد كتب الكثير عن هذا الفن لكننا نتساهل كثيراً معه ولا نتابع ما يكتب عنه على اعتبار انه من البديهيات المتعارف عليها فلا تحتاج الى دراسة ومتابعة وتحليل لدرجة اننا بتنا نعاني كثيراً من فقدان الاهتمام به في مجالسنا الخاصة او منتدياتنا العامة وحتى في الندوات التلفازية ثمة الكثير من النشاز واللاتوافق وعدم الاتزان حد الهوس المرضي ، كيف ساضرب بضعة امثلة على ذلك ، هناك اشخاص يبحثون عن اذان مصغية فقط لانه يعيشُ ضمأً مزمناً للكلام ، مشكلته الكلام لان فيه مجاعة للمنابر والندوات والمايكرفونات او المايكات ، لهذا تراه اولاً يبحث عن جليس ثم يفتح عليه نار الحديث المنوع بثرثرة ليس لها نهاية وانت عليك الاصغاء فقط ولا يهم ان تثاءبت او تشاغلت او التفت يمنه ويسره استنجادا باحد ما كي ينقذك من هذا المتحدث الثرثار ، وهناك مستمع يتعمد قتل حديثك فوراً ولا يسمح لك بأكماله وله قدرة عجيبة على ذلك ، بينما حين يتحدث يضغط عليك ضغطاً مميتاً حتى تسمح له وهو يكمل حديثه ، انا طبعاً اتحدث عن امراض مجتمعية وعرفية موغلة في النفس البشرية العراقية التي عايشتها كثيراً ولقيت الويلات منها ، وهناك مستمع آخر هو العليم بكل شيء ، ما ان تحدثه بموضوع ما حتى يفاجئك بقوله : نعم اعلم بذلك ، واذا كان يعلم بموضوعك فكيف اذن ستكمله ، وهناك من يتحدث عن روايتك الجديدة التي لم يقرأها احد بعد ، وهذا هو فن الغرابة والنباهة والعجب والعجاب ، وهذه فعلاً من المشاكل التي تواجه الكثير ليس عندنا فقط وانما في مختلف دول العالم وقد تحدث عنها الكثير من الادباء خصوصاً ( امبرتوايكو ) الذي تحدث ذات مرة عن فن التحدث عن الكتب التي لم تقرأها ، ليس هذا موضوعنا الان ، المهم اننا في هذه القضية سنكون عرضة للاطاحة بنا وبمعلوماتنا وبذكائنا وبرغبتنا في الحديث ونشر الفائدة وطرح الافكار المتداولة ومناقشتها علنا نستفيد من الوقت الضائع في جلسات المقاهي وعلى موائد الاكل ليلاً ونهاراً ، لكن كيف وثمة من يترصدك ويتربص بك ويحاول اغلاق كل المنافذ امامك اما بقطع الحديث بأعتباره حديثاً عادياً والمعلومات المتداولة معلومات قديمة وقد عفا عليها الزمن او يقول لك نعم اعرف جيداَ ما ستقول وكأنه يقرأ الممحي من الافكار او يقرأ ما في عقلك من مشاريع ، لذلك اقول ان الاصغاء فن وذوق واخلاق عالية وانسانية ودينية علينا جميعا ً التحلي
 بها ....