عودة لصراع أهلي مستمر

بانوراما 2021/08/07
...

  ترجمة: خالد قاسم
 
عند البوابة الغربية لمزار شريف، على مسافة 15 كم من وسط رابع أكبر مدينة أفغانية، يقف رجل ضجر الملامح ويرتدي الزي التقليدي وعمامة برتقالية اللون، لكن البندقية التي يرفعها هي ما تميزه كعضو بحركة طالبان. انتشرت صورته في الهواتف النقالة لسكان المدينة ومعها تعليق يقول: طالبان على الأبواب.
اكتسح الرعب المدينة، وشهدت الأيام السابقة لذلك سقوط منطقة بعد أخرى في مقاطعة بلخ المجاورة من سيطرة الحكومة لتقع بقبضة طالبان. وشهدت مساحات من شمال أفغانستان المصير ذاته خلال الأسابيع الأخيرة. ويثير ذلك القلق نظرا لأن بلخ لديها سمعة أنها معقل المعارضة ضد طالبان، وتبعد كثيرا عن معقل الحركة في الجنوب. ويبدو الظهور المفاجئ للرجل المسلح علامة واضحة على قرب وقوع هجوم.
اقترب الإنسحاب الأميركي من الاكتمال من أفغانستان بحلول 11 أيلول. وسجل الانسحاب من قاعدة باغرام الجوية، تبعد ساعة بالسيارة شمالا عن العاصمة كابول، نهاية 20 سنة من الحرب الأميركية. لكن هذا لا يعني نهاية الحرب في أفغانستان، بل ستزداد الأمور سوءا.
أنفقت أميركا وحلف الناتو مليارات الدولارات على تدريب وتجهيز قوات الأمن الأفغانية على أمل أن تتمكن يوما ما من العمل وحدها. لكنها بدلا من ذلك بدأت بالتقهقر حتى قبل انسحاب الأميركيين. ولم تسقط عدة مناطق بالقوة، بل جرى تسليمها ببساطة. واستسلم الجنود وأفراد الشرطة بأعداد كبيرة، تاركين خلفهم أكداسا من الأسلحة والذخيرة وعشرات العجلات. 
 
إهمال حكومي
الجيش والشرطة الأفغانية أكثر عددا وأفضل عدة من عدوهما، لكن ذلك على الورق فقط، أما في الواقع فتظهر قوات أصغر بكثير، وتعد الروح المعنوية المتدهورة سببا رئيسا بذلك. فيشتكي الجنود من إهمال قادتهم لهم وعدم حصولهم على الرواتب والطعام أو العتاد. وتسبب الانسحاب الأميركي بتقليص دعم الناتو الجوي الذي اعتمدت عليه القوات الأفغانية، لأن قواتهم الجوية الوليدة تعد بديلا ضعيفا.
يعتقد معهد الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن أن طالبان تسيطر على نحو نصف مقاطعات البلاد، وتنفي الحكومة الأفغانية ذلك بقوة وتقول إن أية انسحابات كانت مؤقتة وسوف تعوض. استعادت الحكومة بالفعل بعض المقاطعات، وتناوبت مع طالبان بالسيطرة على مقاطعات أخرى عدة مرات، وهناك مقاطعات كثيرة نائية والوجود الحكومي فيها ضئيل أو قليلة الأهمية ستراتيجيا. لكن تعاقب انتصارات طالبان منحها الزخم، ويخشى الدبلوماسيون من استمراره.
لم يتجسد الهجوم المرعب على مزار شريف حتى الآن، وأطلق الجيش بسرعة صورا على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر سيطرته الكاملة على البوابة الغربية، وبدأت المدينة بتهدئة نفسها لكن سلطة الحكومة لا تمتد كثيرا خارجها. وتدفق آلاف الأشخاص من الريف الى المدينة بحثا عن ملاذ من طالبان.
يعد السفر مصدر انشغال الكثيرين، اذ ينتظر آلاف الأفغان عند مكتب الجوازات في كابول، لأيام أحيانا، للحصول على وثائق سفر إما للاستخدام الفوري أو بحالة حدوث أي أمر طارئ. ويعرف الكثيرون من تجربتهم القاسية ماذا يعني أن تكون لاجئا، ولا يتقبلون هذا الخيار بسهولة.  
تعد إيران الى جانب تركيا وباكستان وآسيا الوسطى خيارا رائجا للهروب، لكن الوباء جعل السفر صعبا على الجميع. وفي مزار شريف نفسها دفع تدهور الوضع الأمني دولا كثيرة، منها ايران، لإغلاق قنصلياتها.
 
دور المتطوعين
مع ازدياد قتامة المشهد المستقبلي بالنسبة للجيش والمدنيين، فلا تقل اجراءات الحكومة المقترحة سوءا عن ذلك. ويحاول الرئيس أشرف غني تحشيد قوى المتطوعين لتعزيز الجيش الضعيف، وطلب مساعدة شخصيات مثل عطا محمد نور، القيادي البارز المعادي للسوفييت وطالبان، وهو حاكم ورجل أعمال بمقاطعة بلخ. ويقول عطا في قاعة استقباله المطلية بالذهب في المدينة: «مهما يكن، سندافع عن مدننا وكرامة شعبنا».
يضيف عطا أن هذا التحشيد اجراء مؤقت لمنح الجيش فرصة للتنفس والسماح له بإعادة التجمع، وسوف تنسق القوات الجديدة مع القوات الحكومية. لكن إمكانية إطلاق يد الجيوش الخاصة لأمراء الحرب يجعل الأفغان يشعرون بالرعب، ويذكرهم بالفوضى خلال التسعينيات. مع رحيل أميركا، تشعر طالبان بإمكانية نجاحها ولا تظهر نية واضحة للتفاوض مع حكومة الرئيس غني. لكن مع ذلك لا تسيطر الحركة على أية مدينة أو بلدة كبيرة. وتسبب هيمنة طالبان على الريف بتسليط ضغط على المراكز الحضرية، إلّا أن الحركة غير مستعجلة لفرض هذا الوضع. وهي تفتقر للسلاح الثقيل، وربما تفتقر لعدد كاف من الأفراد للسيطرة على مدينة أمام مقاومة مستدامة. يضاف الى ذلك، تجلب السيطرة على المدن معها مصاعب جديدة، فالحركة سيئة بتوفير الخدمات الحكومية.
ذكر «سهيل شاهين» المتحدث باسم الحركة أن الاستيلاء على كابول بالقوة ليس سياسة التنظيم، وقد يكون أفضل مسار لهم تشديد القبضة وانتظار سقوط الحكومة. وتعتقد وكالات الاستخبارات أن حكومة غني قد تنهار خلال ستة أشهر، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال.
 
مجلة إيكونومست البريطانية