ضحى عبدالرؤوف المل
تتشكل الحياة السياسيَّة من نواحٍ عديدة في الأدب عامة، وبأسلوب حساس جداً، وقد لمسنا ذلك في العديد من الأعمال الأدبيَّة والروائيَّة خاصة، فالنظريات السياسيَّة قد تتكون من عدة روابط مشتركة مع الأدب من النواحي الجدليَّة، إذ يقدم الأدب رؤيته السياسيَّة ببنيويَّة ذات ميثاق غليظ يُذكرنا بنظريات مختلفة طرحها الكثير من الكتاب على مر عقود متعددة ووفق المواثيق الاجتماعية، فالتاريخ الأدبي يحتفظ بالكثير من الأعمال الروائيَّة التي طرحت جدليات سياسيَّة مختلفة خاصة بما يُسمى بالرواية الواقعية والتي اشتدت بشكل كبير مع بلزاك وفلوبير وزولا من دون التقليل من المعالجات الفنية في الأدب الروائي المعاصر، كما في رواية (الأمريكان في بيتي) للروائي «نزار عبدالستار» وكما في رواية «الغرانيق» للروائي «ما زن عرفة» ورواية «حاجز لكفن» للفنانة واحة الراهب التي صدرت حديثاً عن دار هاشيت انطوان. وقد تضمنت رؤيتها لفترة سياسية صعبة مرَّتْ بها سوريا، ولكن ضمن الرؤية الخاصة لأدب السجون، والتي زجت بها في قضايا حقوق الإنسان والاستبداد والسجون والاعتقالات السياسيَّة بشكل تراجيدي. فهل حاول الأدباء التنظير في الفكر السياسي من خلال الأدب؟ أم أنَّ الدراما التلفزيونيَّة لعبت دوراً كبيراً في تصوير ذلك أكثر من الرواية؟ وهل العمى لجوزييه ساراماغو يمكن لها أنْ تتنبأ مستقبلاً بمرحلة سياسيَّة حرجة؟ أم رواية العمى طرحت قضية المرض الاجتماعي الذي يتشكل من خلال الحياة السياسيَّة؟ وماذا عن رواية «البرنيكة» للروائي طلال سيف التي طرحت الكثير من القضايا السياسيَّة من خلال أدب السجون؟ هل كانت قوية بما يكفي لتولد منها نظريَّة سياسيَّة؟
يلعب الأدب دوره في تشكيل الحياة السياسيَّة بصمتٍ مبطنٍ غالباً، وهو من حيث الجوهر يبقى في خلافٍ دائم مع ذاته، وأحياناً يبقى مفتوحاً على عدة احتمالات يتولد منها مبادئ أخلاقيَّة، وهيئات اجتماعية مستقلة، وأحياناً يتم استبعاد النظريَّة السياسيَّة من الأدب وفق مجازيات تسمى بـ»الأدب المستقل عن السياسة»، ما يجعلنا نتساءل عن التقنيات التي تسمح للكاتب باتخاذ الكثير من التدابير السياسيَّة المغطاة بالأدب، بعيداً عن الالتزام السياسي في العمل الأدبي، وبشكل وهمي يجعلنا ندخل في عمق السرد، لنخاطب النص ونتعاون مع كاتبه في الاكتشاف المؤدي الى فتح الافكار السياسيَّة وفهمها كما ينبغي أو الأحرى كما خطط لها الكاتب بعيداً عن السيادة السياسيَّة في زمنه، والتي استحضر من خلالها المستقبل والتاريخ وخلق الكثير من المجتمعات الوهميَّة، وتلاعب بالمعنى في ما وراء النص، كما في رواية «المعبد الذهبي» للروائي يوكيو ميشيما وهو من المدافعين عن التراث الوطني، وعن النظريات السياسيَّة في الحروب بعيداً عن المنظور الجمالي للمحتوى السياسي والسياق التاريخي للمعبد الذي أراد له البقاء في رواية حملت رسالة سياسيَّة مبطنة يؤكد من خلالها على الاستمراريَّة التاريخيَّة لفلسفات تثير الكثير من الاهتمام، فماذا عن الفاشية الإيطاليَّة في الأدب الإيطالي؟ وماذا عن الماركسيَّة والشيوعيَّة في الأدب عامَّة؟ وماذا عن الاستغلال السياسي في الأدب السوري المعاصر الذي نتج عن الحرب السورية الحاليَّة؟ وماذا عن الحرب اللبنانيَّة وسياسة تعدد الطوائف والمذاهب في وطن صغير؟
ما من هروب من الاستغلال السياسي وتعرجاته في الأدب الروائي تحديداً، وصراعات السياسة في المتخيل السردي القائم على تحليلات مختلفة للسياسة. إضافة الى الأمن السري الذي يُرصدُ من خلاله الكاتب الحركات النضالية المستقلة، والأخرى المناهضة لسياسات خارجيَّة معقدة لا يمكن فك شفرتها إلا تخيلياً من خلال العمل الأدبي المنسجم مع الواقع. فهل من أهمية كبيرة للأدب في السياسة؟ أم أنَّ ياسمينة خضرا وأمين معلوف وغيرهم كشفوا عن سياسات خاصة بغموض استنار منه القارئ؟ وهل من تأويلات سياسيَّة حتى في النصوص الرومانسيَّة؟ أم أنَّ التنظير في الفكر السياسي من خلال الأدب هو بانوراما تمثل رؤية الكاتب فقط؟