الدراما العراقيَّة.. عتبة ثالثة للتقييم

منصة 2021/08/10
...

 د. عواطف نعيم  
لنا كل الحق في مساءلة نقابة الفنانين عن دورها في ما يقدم على الساحة الفنية العراقيَّة، هل مهمتها استيفاء الرسوم والجبايات فقط أم أنَّ مهمتها الأساس تكمن في حماية حقوق الفنان العراقي والحفاظ على مكانته وكرامته وحقه في العمل والمشاركة؟
وما زال الحديث قائماً عن الدراما وما خلفته من تساؤلات وما أثارته من جدل، ولعلَّ أهم ما يتم الحديث عنه هو لماذا ينتظر القائمون على الإنتاج في القنوات الفضائيَّة التي تهتم بالدراما الأشهر القليلة التي تسبق مجيء شهر رمضان لكي يسارعوا الى الشروع بالعمل والإنتاج بطريقة مرتبكة وفيها الكثير من العجالة وعدم التحضير؟ ولعلَّ الجواب يكون واضحاً حين نمعن النظر فيه، إذ ثمة فتور وتوقف في حركة الإنتاج الدرامي في العراق وهذا ينعكس سلباً على وضع الفنان العراقي الذي لا يجد من يفتح له أبواب العمل ليس من أجل الرزق وكرامة العيش، إنَّما من أجل توظيف تلك الطاقة الإبداعيَّة التي تنتظر ما يظهرها ويقدمها بما يليق بها ويتناسب مع الطموح والرغبة في الحضور والإنجاز..
لذا وحين تتفضل تلك القنوات وتشّمر عن ساعديها للعمل فإنَّها تعرف كل المعرفة ومن خلال الأيدي العاملة معها على شكل مدراء إنتاج ومنفذيه أنَّ الأمور ستكون مؤاتية وعجلة العمل ماضية! توضع القوائم وتقدم للمخرج والمنتج صاحب رأس المال ليس بما يتناسب ومتطلبات العمل الدرامي وإنَّما بما يتناسب ومنافع أصحابه من المنتج المستفيد الى بعض المخرجين المحسوبين على الإخراج التلفازي ظلماً ونكتة! ويكون من شروط الاختيار ألا يسبب ذلك الفنان أو الفنانة إزعاجاً أو إلحاحاً أو تساؤلاً حول طبيعة الإنتاج وقيمته الماديَّة وما يخصص له في العقد المبرم من مردود مادي مقابل جهده ويوقع على العقد ويلزم به من دون أنْ يسأل لماذا أو كيف أو من وضع تلك اللوائح وذاك التصنيف وإلا فإنَّ عملية الاستبعاد والاستعاضة واردة وسريعة! وأمر عادي أنْ يستبعدَ فلانٌ أو فلتان تحت ذرائع مختلفة أولها أنه خارج البلد أو أنه مشغول بعمل آخر أو أنه اعتزل وانزوى! ولأنَّ الكل منشغل ولأنَّ الهدف والغاية المنشودة ليست تطوير وتعميق الدراما التلفازية في العراق وأنَّ الوقت المحدد لإنجاز العمل محصورٌ في زمن قصير يتطلب الاستعجال فإنَّ لا أحد يسأل أو يتابع أو يتروى لمعرفة الحقيقة!
وتأتي النتيجة حين يتم عرض تلك الاعمال من مسلسلات وبرامج منوعة درامية فاذا نحن أمام وجوه تتكرر وأعمال تفتقر الى العمق والجمال والموضوعات الهادفة والقيم الاجتماعية المؤثرة، أعمال باهتة ويابسة ومسطحة لا تملك القدرة على التأثير أو المنافسة في الوقت الذي تضخ فيه القنوات العربية أعمالاً درامية متميزة وجاذبة موضوعات ومهارات وأداء وتنوع وجوه وحداثة إخراج ورؤى! وحين تتم مناقشة العمل العراقي وأسباب نكوصه وتراجعه لا يرضى البعض أنْ يضع النقاط على الحروف ويرفع علامات التساؤل ويحث الجهات المعنية بالمتابعة والتقييم ويسائلها.
ولنا كل الحق في مساءلة نقابة الفنانين عن دورها في ما يقدم على الساحة الفنية العراقيَّة، هل مهمتها استيفاء الرسوم والجبايات فقط أم أنَّ مهمتها الأساس تكمن في حماية حقوق الفنان العراقي والحفاظ على مكانته وكرامته وحقه في العمل والمشاركة؟ وتلك الفضائيات التي استهانت بالكاتب العراقي صاحب الفكر الخلاق وارتضت أنْ تأخذ نصوصاً ناقصة الصنعة من كتاب ينسخون عن مواقع التواصل ولا يفرقون بين نص يرتقي بالفهم والقيم وبين نص يؤلب ويغذي البغضاء والاستعداء، ما بالها لا تميز؟ وفضائية أخرى لا تتوانى عن تحويل أعمال تركية معروفة الى أعمال عراقيَّة بعيدة عن طبيعة البيئة العراقية اجتماعياً وأخلاقياً وثقافياً لتعكس صورة مهجنة ومسيئة عن طلبة الجامعات العراقية في السلوك والتربية والسطحية ولا نجد تعليلاً لهذا التوجه!
نحتاج الى وقفة حقيقيَّة لمناقشة ما يقدم والعمل على حفظ القيم الأخلاقية والاجتماعيَّة والوطنيَّة التي نعّول عليها في تماسك وتكافل طبقات المجتمع العراقي في مثل هذا الوقت العصيب الذي اضطربت فيه القيم والتوجهات وأثقل الوضع الاقتصادي وتداعياته الإنسان العراقي، لا ينبغي الاستهانة وتجاهل ما يقدم فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع، لا سيما الطبقة المثقفة والفنية لأنهم حملة رسالة فكريَّة ومنبرٌ للوعي والمعرفة وصمام الأمان لمجتمعاتهم في ظروفه المختلفة.