رضا المحمداوي
أضاع مسلسل (بروانه) طريقه الذي كان يفترض به أن يوصله إلى هدفِهِ ومبتغاه، وبالتالي أخفق في الوصول إلى المتلقي وإبلاغ رسالته الفكرية التي أجهد نفسه طوال حلقاته الـ12 من أجل كتابتها وصياغتها وترجمتها درامياً وتجسيدها صورياً على شاشة التلفزيون.
أول خطأ واجهنا فيه المسلسل لمخرجهِ علي البحراني، هو استخدام اللغة الإنكليزية فقط في كتابة تايتل البداية والنهاية وهو الأمر الذي منع المسلسل من التعريف بنفسه إلى الجمهور العام، ومن ثم غَمَطَ حق المساهمين بإنجاز المسلسل في التعريف بوجوههم مقترناً بأسمائهم، وإذا كان الطموح بالوصول إلى العالمية من خلال مخاطبة الجمهور باللغة الأجنبية فكان حَريَّاً بالمخرج كتابة التايتل باللغة العربية إلى جانب اللغة الإنكليزية من دون أنْ يُنقصَ من ذلك الطموح شيئاً، أو أنْ يلجأ إلى ترجمة المسلسل بأكمله إلى اللغة الانكليزيَّة.
الملاحظة الرئيسة المُهمَّة التي يمكن تثبيتها على النص الدرامي: (الكتابة والسيناريو) لـ(فريق أبعاد الإعلامي)، هي طريقة كتابة السيناريو المُفكّكة والتي ذهبتْ بالنص وفكرتهِ الرئيسة في أكثر من اتّجاه حتى أصبح من الصعب تحديد وجهة ذلك السيناريو، أو إلى أين يريد الوصول، وما هو هدفهُ على وَجهِ الدقة والتحديد.
فكرة التلاعب بالزمن
إنَّ الإرتباك الكبير والخلل الفني الذي أصابَ السيناريو يكمنُ أساساً في إشكالية التعامل مع الزمن بسقفهِ التأريخي أوّلاً ثم اقتران ذلك السقف بأسلوب التعاطي ومعالجة الزمن الدرامي المتحرك والمتأرجح بين الزمن الحقيقي للوقائع وبين الزمن الافتراضي داخل النص وفي مساحة السيناريو الواسعة، وكانت النتيجة أنْ حَصَلَ هذا التداخل الزمني في تسلسل وتوالي الأحداث، فمن أحداث دخول عصابات داعش الإرهابية إلى العراق عام 2014 والتركيز على إعلان فتوى الجهاد الكفائي من قبل المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، ومن ثم تطوّع الشخصية الرئيسة: ذوالفقار (غالب جواد) للقتال ضمن صفوف المتطوعين ضد (داعش)، ليقفز المسلسل بعد هذا بالأحداث إلى زمن مستقبلي افتراضي غريب هو العام 2026 ولمْ نتبينْ ضرورةً دراميةً أو سبباً مقنعاً أو مبرراً لهذه القفزة الزمنية - التي كانت في الفراغ- إلى ذلك العام المفترض تحديداً.
وهذه المعالجة الدرامية والافتراض الزمني كانا على الضدّ من تنويه المسلسل في مُسّتهل تايتل البداية إلى (أن أحداث المسلسل مُسّتلهمة من أحداث حقيقية) وقد قادتْ هذه المعالجة والافتراض العمل الفني إلى التشتت والتبعثر وعدم التركيز على موضوعهِ الرئيس والمُتمثّل بواقعة تحرير منطقة (بروانه) من قبل قوات الحشد الشعبي وما رافق ذلك من أحداث وتداعيات.
وقد أدّى هذا التشتت والامتدادات الزمني وارتدادهما العكسي إلى كثرة الأماكن الدرامية التي دارتْ بها الأحداث ضمن خارطة العمل والانتقال داخلها من مكان إلى آخر في زمن بدا لنا رجراجاً وغير مستقر، وبانَ التشتت واضحاً في طريقة بناء السيناريو بين البحث عن الأرشيف الصوري لما حدث في (بروانه) وبين متابعة شبهة الفساد في أعمال (شركة الألوان الثلاثة) التي حصلتْ على فرصة استثمار وبناء (مول) تجاري، حيث تقوم (وكالة سيبار الإعلامية) التي يعملُ بها: مناف (حسين عدي) في البحث والتقصي عن ملفات وأوّليات تلك الشركة.
وقد بَدَتْ لنا تلك الوكالة الإعلامية الخاصة التي تعيش على التبرعات والإعلانات وكأنها مؤسسة حكومية رقابية وأقرب ما تكون إلى هيئة النزاهة أو اللجنة التحقيقية أو كل ما له علاقة بمتابعة ملفات الفساد، لا سيما أن الموضوع المطروح يتعلق بدائرة عقارات الدولة.
معركة (بروانه) والارشيف
كان بإمكان المسلسل أنْ يركّز على فكرة وأهمية وجود أرشيف عسكري مُنظّم يحمي سمعة مقاتلي الحشد الشعبي من التشويه الإعلامي من قبل الجهات المغرضة، وكذلك التأكيد على ضرورة وجود ذلك الأرشيف من أجل تثبيت تلك الوقائع العسكرية والتضحيات والمآثر والبطولات في ذاكرة هذا الجيل والأجيال المتعاقبة، كان يمكنُ للمسلسل أنْ يحقّقَ هذه الفكرة على أهميتها وضرورتها من خلال إعادة تجسّيد وقائع معركة (بروانه) وحدها على وجه التحديد وما رافقها من أحداث وتفاصيل ونتائج ويعزّزها بالأرشيف الوثائقي الحربي الذي سَجَّلَ وَوَثّقَ تلك الواقعة وحفظ مجرياتها، وقد توفّرتْ للمسلسل جميع مستلزمات ومتطلبات الدعم اللوجستي العسكري من قبل هيئة الحشد الشعبي والكفيلة بإعادة إحياء تلك الواقعة ومن ثم الإخلاص لها درامياً وفنياً والحفاظ على وحدة موضوع المسلسل وعدم الخروج عن الخط الدرامي الرئيس له.
وفي هذا الجانب تحديداً يمكنُ الإشارة هنا إلى أن المشاهد العسكرية ومشاهد القتال الحربية كانت بحاجة إلى جهد عسكري- فني أكثر تنظيماً وتنسيقاً لتكون أكثر حيوية تأثيراً، خاصةً بعد توفير العنصر البشري والمُعدِّات والآليات العسكريَّة.
وكان ضعف السيناريو وارتباك مفاصله قد ذَهَبَ بالشخصية الرئيسة (مناف)، الذي كان يقودُ الأحداث، إلى أماكن متعددة ومتباعدة فمرةً يذهبُ إلى النجف دون هدف مُحدّد أو قصد واضح ثم يعود منها إلى بغداد (ويفترض أن أحداث المسلسل كانت تدور في بغداد وقد جاء الإحياء بذلك هامشياً وغير مؤثر ولم تكن معالمها وأجواؤها حاضرة بقوة)، ومرةً أخرى يذهب إلى تكريت ليثير واقعة (سبايكر) المعروفة في القصور الرئاسية التي راح ضحيتها الآلآف من الشهداء، ومرةً ثالثة يتابع معركة بيجي، ومرةً أخرى يعود إلى العام الافتراضي عام 2026 في سنجار، ومرةً في جبال (مكحول) في العام ذاته وحتى الحلقة الأخيرة والمسلسل ظلَّ متأرجحاً في هذه الأزمنة والأمكنة المتباعدة والمتفرقة، في حين كان ينبغي عليه وخاصةً في الجزء الأخير من المسلسل أنْ يختصرَ من أحداثهِ ويلّمَ شتات أفكارهِ ويكثّفَ من زمنه ويزيدَ من سرعة إيقاعهِ، لا أنْ يُشتّتَ جهدَهُ بين ثلاثية شبكة الفساد المتمثلة في تجارة المُخدرات وعمليات القتل والاغتيالات وعصابات الإرهاب.
التمثيل
ورغم الملاحظات الفنيَّة العديدة التي يمكن تأشيرها على أداء الممثلين الشباب الذين أدَّوا الشخصيات الرئيسة، إلاّ أنَّ المخرج كان بإمكانه أنْ يستثمر وجود ممثلين قديرين وأصحاب تجارب فنية كثيرة مثل: غالب جواد وفلاح إبراهيم وحسين علي صالح وإياد الطائي وماجد درندش وهيثم صالح ووليد العبوسي وستار السعداوي ليعوَّض عن الضعف في هذا الجانب وأن يستثمر هذه المجموعة المتمكنة ليكونوا أكثر حضوراً وتأثيراً وإقناعاً لو تمَّتْ عملية بناء شخصياتهم على نحو أكثر نضجاً وامتداداً.