بنت النبي

الصفحة الاخيرة 2019/02/24
...

 جواد علي كسّار
 
كلماتها سطعة نور تضرب القلب؛ أيها الناس، أعلموا أني فاطمة وأبي محمد.. كنتم على شفا حفرةٍ من النار، مذِقة الشارب، ونهزة الطامع، وموطئ الأقدام، تخافون أنْ يتخطفكم الناسُ من حولكم، فأنقذكم الله بمحمد صلى الله عليه وآله.
ما مثلها أحد من نساء مكة والمدينة ونساء العالمين؛ ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. هي روح أبيها، وما أحد أقرب إلى قلبه منها؛ فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبيّ.
ذكريات عابقة نستروحها من حياتها، وولدها السبط يحدّث: رأيتُ أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتُكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلتُ لها: يا أماه، لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بُني الجار ثمّ الدار.
ترنيمتها التي تناغي عمق الكينونة البشريَّة، وتفتح مغاليق الطريق؛ جعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكِبر، والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق، والحج تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، والجهاد عزاً للإسلام، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، والقصاص حقناً للدماء.
ضلّة في العقل، وانكفاء في البصيرة، هو ذاك الذي أصاب قومها بعد النبي؛ يا معشر النقيبة، وأعضاء الملة، وحضنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقّي والسِنَةُ في ظُلامتي، أما كان رسول الله أبي يقول: المرءُ يُحفظ في ولده؟!
وقفتْ في مسجد أبيها الرسول، تُنذر أمته بأفق متبلدٍ داجٍ، يُنذر مستقبله بالهول؛ استبدلوا الذُنابى والله بالقوادم، والعَجزَ بالكاهل، فرغماً لمعاطسِ قوم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً.. أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوّة والدلالة، ومهبط الوحي الأمين، وما نقموا من أبي الحسن! نقموا واللهِ من نكير سيفه، وقلة مبالاته بحتفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره في ذات الله عز وجل.
كان وجه السماء الصافية قد ماج بالنُذر، وبنت النبي تصكّ الأسماع؛ فدونَكَها مخطومةً مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنِعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة.. هنالك يخسرُ المبطلون، ويعرف التالون غِبّ ما سنّ الأولون.
سيدتي بنت النبي، نجثو بين يديك، نأمل أنْ ننجو بدعاءٍ واحدٍ منك، نجوةً سريعة، تزيل عنّا ما جثم على الصدر؛ طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والله، لو تكافّوا عن زمام نبذهُ رسول الله، لاعتلقه، ولسار بهم سيراً سُجحاً، ولأوردهم منهلاً نميراً، ولفُتحت عليهم بركات من السماء والأرض.
ما دثُرت أيامها وما غاض ينبوع عطائها، وما أروع عليّ القائل فيها: ولقد كنتُ أنظر إليها، فتنجلي عني الغموم والأحزان بنظرتي إليها.
ظلها لا يزال يستطيل تتفيأ به النفوس المستعدّة، وتستبصر به العقول؛ على معرفتها دارت القرون!