إطلالة المحرّم

منصة 2021/08/11
...

جواد علي كسار

شهر المحرم أعظم لافتة تنشر كلّ عام قصة الحسين، وهو ينبوع حزن متفجّر يتجدّد على الدوام، يتضوّع بنصوصه وينثر شيئاً من سيرته الوضّاءة الموحية.
يذكر التاريخ أنَّ إعرابياً جاء إلى الحسين، فقال: يا ابن رسول الله، ضمنتُ دية كاملة وعجزتُ عن أدائها، فقلتُ في نفسي: أسأل أكرم الناس، وما رأيتُ أكرم من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقال الحسين: يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل، فإنْ أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال، وإنْ أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال، وإنْ أجبت عن الكلّ أعطيتك الكلّ.
فاعترض الإعرابي بقوله: يا ابن رسول الله، أمثلك يسألُ مثلي وأنت من أهل العلم والشرف؟
فقال الحسين: بلى، سمعتُ جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: المعروف بقدر المعرفة، فقال الرجل: سل ما بدا لك، فإنْ أجبت وإلا تعلمتُ منك.
فقال الحسين: أيُّ الأعمال أفضل؟ أجاب الإعرابي: الإيمان بالله، قال الحسين: فما النجاة من المهلكة؟ أجاب الرجل: الثقة بالله، فقال الحسين: فما يزين الرجل، فقال الإعرابي: علم معه حلم، فقال الحسين: فإنْ أخطأه ذلك؟ ردّ الرجل: مال معه مروءة، فقال الحسين: فإنْ أخطأه ذلك؟ فقال الإعرابي: فقر معه صبر، فقال الحسين: فإنْ أخطأه ذلك؟ فأجاب الإعرابي: فصاعقة تنزل من السماء تحرقه، فإنه أهل لذلك!
ضحك سيد الشهداء ووهبه صرّة فيها ألف دينار وفاءً لديته، وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مئتا درهم، وقال له: يا إعرابي أعطِ الذهب إلى غرمائك، واصرف الخاتم في نفقتك. محلّ الشاهد في النصّ، الربط الذي مارسه الإمام سيّد الشهداء بين المعروف والمعرفة، على وحي من نصّ جدّه الرسول: «المعروف بقدر المعرفة».
ومن مأثور كلماته في السياسة، قوله عليه السلام: «شرّ خصال الملوك: «الجُبن من الأعداء، والقسوة على الضعفاء، والبخل عند الإعطاء». ومن ظلال وحي هذا النص الأخير، أنَّ منازعة حدثت في ضيعة (بستان) بين الإمام الحسين والوليد بن عقبة، فتناول الحسين عمامة الوليد من رأسه وشدّها في عنقه، وهو يومئذ والٍ على المدينة، فقال مروان بن الحكم مخاطباً الوليد: بالله، ما رأيتُ كاليوم جرأة رجل على أميره!
فردّ عليه الوليد: والله ما قلت هذا غضباً لي، ولكنك حسدتني على حلمي عنه، وإنما كانت الضيعة له، فقال الحسين: الضيعة لك يا وليد، وقام منصرفاً.
إنَّ لله في الحسين عزّة هو بالغها، وقد قال رجل لسيّد الشهداء: إنَّ فيك كِبراً، فردّ عليه الإمام: كلّ الكبر لله وحده، ولا يكون في غيره.