عباس رضا الموسوي
عندما يغيب الرقيب يحضر الضمير وإن غابا معاً يحل مكانهما الفساد وتنتشر الفوضى فيتحول المكان الجميل الى بؤرة خراب يحكمها الاشرار بقوانين وضعوها لتحقيق مكاسب غير شرعية ولو كان ثمن ذلك ارواح الناس ودمار الارض، لذا فان اهوارنا التي كانت (زينة وخزينة) لنا تحولت اليوم وبفضل عصابات الصيد الجائر ومحتكري الصيد الى مكان يخلو من الجمال الطبيعي وثروة اقتصادية لا تدر الا عليهم، اذ لا يحق لك الاصطياد والبيع الا عن طريقهم ووفقاً لتعليماتهم.
إن التمادي لدى قلة من اصحاب النفوذ جعلهم يسيطرون سيطرة مطبقة على مناطق الصيد في الاهوار، ليخضع جميع الصيادين البسطاء الذين يرومون الاصطياد لكسب قوتهم اليومي الى قوانين احتكارية، وضعتها هذه العصابات لبسط سيطرتها بشكل يضمن لها تحقيق الارباح
الطائلة.
اذ قال الصياد باسم هاشم (47 عاما) «ان امثالي من الصيادين الصغار عندما يذهبون الى الهور لكسب رزقهم من خلال صيد الاسماك، يتوجب عليهم الالتزام بما حدده الذين باتوا اليوم يملكون الاهوار، ومن ذلك لا يحق لي الصيد في بعض المناطق التي وضعوا يدهم عليها لكونها غنية بالاسماك الثمينة مثل سمك البني، وكذلك لا يحق لي بيع اسماكي الا عن طريقهم وبالسعر الذي يحددونه هم».
مضيفا: لقد صاروا يجنون من صيدنا نسبة تصل الى 20 % تقريبا، ولا يمكن لاحد منا الاعتراض، لانه من المؤكد سيمنع من دخول الاهوار وربما تكون عقوبته اشد.
إبادة جماعية
وعن الابادة الجماعية التي يتعرض لها التنوع الاحيائي، نتيجة الصيد الجائر في الاهوار واضرارها الاقتصادية والبيئية والسياحية على البلاد، قال الصياد حسين جاسم كاظم (43 عاما): ان استخدام السموم لصيد الاسماك لطالما تسبب بهلاك جماعي لمختلف انواع الاسماك والطيور المهاجرة، بل لا يمكن لي رسم الصورة التي اشاهدها في اليوم الثاني من استخدام عصابات الصيد الجائر للسموم في منطقة ما من الهور، حيث تشاهد لوحة من ملايين الاسماك على اختلاف انواعها واحجامها طافية فوق سطح الماء.
واضاف: ان الرائحة الفتاكة للاسماك الميتة بسبب السم، تطرد البشر قبل أن يصل الى المكان وتصيبه أحيانا بالدوار، لذلك نعرف ان كارثة امامنا خلفتها العصابات ورحلت، فهؤلاء يتفننون بقتل المخلوقات المائية بطرق شتى، منها استخدام السموم والكهرباء والقنابل اليدوية ومحاصرتها بحواجز طينية ليختنق السمك الذي فلت من شباكهم، وغيرها من طرق تفتك بمختلف انواع الكائنات المائية.
غياب الرقيب والضمير
المعروف أن الضمير هو الرقيب الاول للانسان في حياته، فان غاب خضع هذا الانسان الى الرقابة التي يضعها القانون، ولكن في حال غياب الضمير والرقابة، فان الحياة ستتحول الى هرج ومرج او غابة يتمثل قانونها بسلطة القوي، وهنا تقول رئيسة منظمة الواحة الخضراء كريمة الطائي: لقد عم الاهمال كل جوانب الحياة، وخصوصا الجانب البيئي الذي بات مشكلة تهدد الانسان، ويعود ذلك لغياب الرقابة وجهل بعض المواطنين، مشيرة الى أن «العالم يشهد تغيرات مناخية تفرض علينا التوقف عندها واعادة النظر بتعاملنا مع البيئة التي صارت مشكلة كبيرة لا يمكن لاحد منا تجاهلها، وشواهد ذلك كثيرة من بينها ما يجري في المناطق الريفية التي زحف عليها التصحر والاهوار، وما تشهده من انتهاكات وتجريف البساتين في المدن وتحويلها الى ساحات لوقوف السيارات ومشاريع اخرى، ما كان لها أن تكون لو كان هناك تخطيط ناجح وتنفيذ حقيقي للقوانين، ومعرفة باهمية البيئة ومردوداتها الصحية والاقتصادية على
الانسان».
150 موقعاً اثرياً في هور الدلمج
وبخصوص المواقع الاثرية التي تقع ضمن المسطحات المائية في هور الدلمج ومدى تأمينها خشية من التعرض لها من قبل العصابات المسيطرة على الاهوار، قال مدير الآثار والتراث في محافظة الديوانية باسم جبار النائلي: ان المواقع الاثرية التي تقع في هور الدلمج تبلغ 165 موقعا، منها 15 موقعا تعود مسؤوليتها الى محافظة واسط، و150 موقعا ضمن الحدود الإدارية لمحافظة الديوانية، مؤكدا أن هذه الآثار التي تعود الى حقب زمنية مختلفة تخضع لحماية أمنية مشددة من خلال نقاط تحيط بمنطقة الهور، بالاضافة الى زيارات تقوم بها مديرية الآثار، مؤكدا عدم تسجيل تجاوز من قبل العابثين على المواقع الاثرية في محافظة الديوانية خلال العام الجاري.
اجراءات صارمة
ولان عنصر الردع الذي لابد منه مع هؤلاء يحتاج الى تنفيذ القانون بصرامة من قبل الجهات المعنية، فان مديرة بيئة محافظة الديوانية ساهرة الخالدي تقول: ان الفرق البيئية مستمرة بزياراتها الميدانية الى الاهوار لتنفيذ برامجها المختلفة، ومنها منع الصيد الجائر واتخاذ الاجراءات القانونية الفورية بحق الذين يتسببون بهلاك جماعي للتنوع الاحيائي، بالاضافة الى دور الفرق البيئية في تقديم الارشادات البيئية التي تعرف بخطورة الصيد الجائر على عالم الاهوار، وتحدثت مديرة البيئة عن جهود تبذل لانشاء محمية طبيعية في هور عبدالله الواقع ضمن حدود محافظة الديوانية على غرار محمية هور الدلمج، لتكون هذه المحميات رافداً اقتصادياً وسياحياً وبيئياً.