للتأكيد، على أن نصوصه، سواء كانت روائية أم قصصية، ذات طابع تجريبي، دائماً مايشير الروائي والقاص لؤي حمزة عباس في كتبه القصصية والروائية بعبارات تعريفية يضعها كعناوين فرعية على اغلفة كتبه من قبيل : " رواية تعرّف، أو كتاب قصصي، أو حكايات وقصص، أو خيالات قصصية " كعتبة أولية للإشارة إلى استراتيجيته في الكتابة الابداعية التي يحاول جاهداً أن يجعلها مختلفة عن الاساليب والمفاهيم والانماط والانظمة البنائية السردية المتعارف عليها. إذ أن مجرد الإشارة من قبل المؤلف إلى طبيعة عمله انما يكشف عن تدخل " وعيه الذاتي " في بناء عوالمه التخيلية، وحضوره الفعلي المكشوف كعنصر اساسي من عناصر بنية نصه، وخروجه من " الاتفاقيات الادبية التقليدية " القائمة على الالتزام بالعناصر البنائية الخارجية أو الموضوعة سلفاً، والكشف على أن النص الادبي في ضوء طروحات مابعد الحداثة وآليات اشتغال " الميتافكشن " أو ماوراء القص تحديداً هنا، لم يعد تلك الحقيقة " الواقعية " الخارجية الصلبة، بقدر مااصبح تلك الحقيقة الافتراضية المرنة، القابلة للطعن، والتمحيص، وإعادة التشكيل والمداورة، شأنها شأن مفاهيم التاريخ والأمة والهوية التي اصبحت مفاهيم افتراضية نسبية الطابع، انطلاقاً من أن : " كتابات ما وراء القص المعاصر، هي استجابة ومساهمة، في الوقت نفسه، لمعنى أكثر تطرُّفاً، يقول: إن التاريخ أو الحقيقة هما افتراضيان، فلم يعُد هناك عالم من الحقائق الخارجية، بل سلسلة من التراكيب، وفنون الخداع، وهياكل غير دائمة، وأن التوظيف الصريح لتقنية ما وراء القص ينبع من استجواب الحداثة للوعي والحقيقة " حسب الناقدة الانجليزية " باتريشيا ووه "
في كتابه الموسوم بـ " مرويات الذئب " يضع لؤي حمزة عباس عبارة فرعية تعريفية صغيرة تحت العنوان الرئيسي تقول " خيالات قصصية " للإشارة بأن نصوص هذه الكتاب ليست " قصصاً خالصة " مستوفية لشروط القصة القصيرة الفنية الاعتيادية من قبيل المدخل والنمو والعقدة والخاتمة والحبكة وغيرها، وانما هي قصص خارج إطار الاتفاق الرسمي لكتابة القصة القصيرة، إذ هي " خيالات " لم تتبلور أو تسعى لكي تكون قصصاً اعتيادية، أو هي، إن جاز التعبير " شطحات قصصية " وظيفتها وظيفة تلميحية خاطفة مراوغة، وبالتالي فانه يتعذر الوصول إلى معنىً تامٍ، أو دلالة حاسمة لأي نص من النصوص، حيث كل مانستطيع الوصول إليه انما هو في الحقيقة " ظلال للمعاني " وترجيعات بعيدة للدلالة، وذلك من خلال إبقاء كل ابواب الاحتمالات والتأويلات مفتوحة على آخرها. وهذا، ماينسجم ويتماهى مع الرؤية الفكرية للميتافكشن المضادة للحقائق والمعاني النهائية التامة، والساعية للنقض والهدم والتجديد المستمر للأساليب. وقد تجلت اشتغالات الميتافكشن في الكثير من نصوص مرويات الذئب، القصيرة والمكثفة: ففي قصة " مقارعة الاصوات " وبشكل سلسل لانشعر معه بأن القاص قد اقحم نفسه اقحاماً في سياقات القصة، يتدخل القاص / المؤلف الحقيقي بصورة مباشرة ليقول بأن ماحدث في هذه القصة من احداث وماطرح من رؤى وافكار لايمكن أن تحتمله قصة قصيرة ولايمكن في نفس الوقت، أن تقدم غير هذه القصة حكاية الاصوات التي اقضت مضجع " العجوز وجنوده ". وفي قصة " البرعم " ذات الطابع الصوفي التي تطرح فكرة وحدة الوجود القائلة بوحدة الذات الالهية والطبيعة من خلال رؤيا سجين لـ برعم ينبت في غرفة سجنه بعد زخة مطر، يخترق القاص المؤلف فضاء القصة متدخلاً بقوله : " وهكذا حلَّ في القصة عنصر جديد غير الغرفة الصغيرة الضيقة، والمطر، وذكرى الطائر، وصار بإمكان الرجل أن يحلم الآن، فلم يعد وحيداً كما كان ". وكذلك يعلن المؤلف الحقيقي عن نفسه في قصة " امرأة معلقة ولبوة تزأر " التي اعتمد فيها على خبر تاريخي قائلاً: اتخيل وأنا استعيد الخبر جاعلاً من مادته قصة قصيرة. من خلال هذه الامثلة، يتضح جلياً أن استخدام تقنية الميتافكشن قد اطاح بفكرة " حقيقية " القصة ووجودها الواقعي، موضحاً أن ما يروى ومايقال هو محض خيالات وافتراضات وتصورات وقد جرى تغطيتها بغطاء مجازي / شعري ما من قبل مؤلف حقيقي قد صَمَمَ وعن وعي مجريات احداث نصوصه القصصية. ومن ضمن اشتغالاته " الميتافكشنية " الأخرى، هناك قصة " كتاب الذئب " التي تعتمد على مشاهداته الفعلية لأحد متاحف " باكو " عاصمة اذربيجان 2018 كما ذيّل القصة، واعتماده على احداث حقيقية وتوظيفها لصالح فكرته القصصية كما ورد في قصة " الاستعارة الذهبية للألم " التي تطرق فيها إلى حادثة مقتل الشاعر محمود البريكان حيث يعمل مزج هذا الحدث وغيره من الاحداث التي اعتمادها القاص ضمن سياق تخييلي إلى كسر " حقيقية " هذه الاحداث وتقديمها بشكل افتراضي.