شون سميث
ترجمة وإعداد: ليندا أدور
إن كنت واحدا من بين 700 مليون شخص أعسر، من الذين يعانون ببسالة، في استخدام المقص وفتاحة العلب ونازعة السدادات الفلينية ولوحات مفاتيح كويرتي، عندها ستدرك بأن العالم قد صمم بواسطة ومن أجل مستخدمي اليد اليمنى (اليمينين).
بالرغم من أن العُسر لا يشكلون سوى 10 بالمئة من السكان، إلا أن خمسة من آخر ثمانية رؤساء أميركيين كانوا قد وقعوا أوامر تنفيذية بيدهم اليسرى، فأن تميل الى اليسار، لم يعد عائقا بعد الآن، للتقدم المهني او القبول الاجتماعي، لكنه لم يكن كذلك على الدوام. فالعسر هم أشخاص بلا خلفية درامية لأن التأريخ كتب من قبل يد يمنى مهيمنة، لم تعر اهتماما لما تفعله يسراها.
اصطفاء طبيعي
تشير التحيزات اللغوية الماثلة حتى الآن الى أي مدى تم تهميش العسر، فعلى سبيل المثال، فإن كلمة «sinister اللاتينية تعني الجانب الأيسر” لكن وبمرور الوقت، أصبح ينظر الى العسر بعين الشك، حتى أصبحت، تدريجيا، مرادفة لكلمة شر أو شرير. وبالعودة الى عصور ماقبل التأريخ، ووفقا للسجلات الآثارية، فإن العسر شكلوا ما نسبته 10 بالمئة من السكان في أي زمن ومكان، اذ تشير الدراسات التي تبحث في تتبع حركة إنسان نياندرتال الى إحضار اللحوم الى أفواههم، من خلال تحليل العلامات الموجودة على المتحجرات من الاسنان، الى أن نسبة 10 بالمئة من السكان عسر، كانت ثابتة بين أسلاف البشر على مدى نصف مليون سنة على الأقل. عزز تحليل لعلامات وجدت على أدوات عمرها تسعة آلاف عام عثر عليها بموقع آثاري ببلجيكا هذه النسبة، كما أشارت تقديرات لدراسة استقصائية شملت ألف منحوتة ورسم توضيحي تعود الى ثلاثة آلاف عام، الى أن البراعة الفنية لعسيري اليد كانت بذات المستوى. ففي مرحلة ما بين 13 و6 ملايين سنة مضت، انحرف مسار الجنس البشري عن السلالة التي يشترك بها مع الشمبانزي، عندما هاجر أسلافنا من مناطق الغابات الكثيفة الى أغوار سهول شرق إفريقيا المنبسطة، ومن خلال عملية الاصطفاء الطبيعي، أصبح الأسلاف الأفضل في الوقوف على القائمين الخلفيين, افضل في البقاء على قيد الحياة ونقل الجينات، بعد تحرر اليدين، اصبحنا أكثر مهارة في البحث عن الطعام وصناعة واستخدام الأدوات في ما بعد.
لعنات وخرافات
يعتقد الباحثون في علوم الإدراك بأن التحول في تحرر اليدين الى المشي على قدمين، كان البذرة الأولى لعدم تماثلنا كنوع، لأنه كان مؤشرا على بداية تخصص نصفي الدماغ البشري الأيسر والأيمن بمهام مختلفة الأنواع. يؤكد التصوير العصبي الحديث ذلك، بالنسبة لغالبية البشر، فإن فص الدماغ الأيسر هو مركز التحكم ومعالجة المهام اللغوية. فكانت هيمنة الأيمن نتيجة طبيعية لنشاط الفص الأيسر من الدماغ، لذا يعتقد بعض علماء الإدراك بأننا، ومن دون وعي، نستخدم الإيماءات باليد اليمنى لتفسير الكلام المنطوق الصادر من الفص الأيسر للدماغ أيضا. يمكن الوقوف على دليل لدعم هذه الفرضية من خلال البيانات الرياضية الحديثة، اذ تشير بيانات عشرة آلاف ملاكم ومقاتل في فنون الدفاع عن النفس، تفوقا واضحا للعسر على نظرائهم من اليمينين.
اعتقد الرومان بأن الجانب الأيسر {ملعون}، وبعد سقوط إمبراطوريتهم، رسخت الكنيسة الرومانية الجديدة هذا المعتقد لدى قلب المسيحية.
ولا يزال هذا الإجحاف واضحا في الخرافات حتى اليوم، فعندما نلقي بالملح المسكوب فوق الكتف الأيسر، فإننا نحاول درء الشيطان وتفويض الملاك الحارس على اليمين، كما أن الخروج من الجانب الخطأ من السرير يعزى بأنه السبب في يوم سيئ.
في تأريخ اللغة الانكليزية، تعني كلمة «left» القديمة، في الأصل، ضعيف ومكسور، لكن بعد الغزو النورماندي، اصبحت الفرنسية هي لغة الحياة العامة الرسمية وأن كلمة (droit) التي تعني { يمين} تعني أيضا {صحيح}، والتي اصبحت في ما بعد مرادفا للحكم الصالح، بينما أصبحت كلمة (gauche) الفرنسية وتعني {يسار}، مرادفا للشرعية المشكوك بها والأخرق.
رفض ومعاناة
أما في مجال السياسة، لطالما ارتبط اليمين بالتأكيد على إرساء المعتقدات التقليدية، في حين ارتبط اليسار بالتغيير غير التقليدي ولهذا كان يواجه صعوبة أكثر في إثبات شرعيته وحقه في الحكم. وفي العصور الوسطى، اعتقدت الكنيسة الكاثوليكية بأن «الأعسر» من علامات الشيطان، وهو ما رأته محاكم التفتيش الإسبانية من أنه انحراف عن العقيدة الكاثوليكية، وكان يشار الى السحر الأسود على أنه «مسار اليد اليسرى». وقد أوحت لوحات تظهر جان دارك فيها على انها ساحرة ربما لأنها كانت عسراء. كان يتوقع تحسن وقع حياة الأشخاص العسر بعد عصر التنوير، لكن خلال الثورة الصناعية الثانية في العصر الفيكتوري، واجه العسر «رفضا» اجتماعيا كأقلية ظاهرة لأول مرة. وفي حقبة التعليم القانوني، كان الأطفال العسر يتعرضون للضرب، الى جانب ربط ايديهم اليسرى بالكراسي لإرغامهم على استخدام اليمنى، وقد بدا هذا جليا في نظام المدارس الأسكتلندية والايرلندية. حتى أن «تأتأة» الملك جورج السادس مدى الحياة، التي جسدها فيلم «خطاب الملك»، يعتقد كان تعبيرا عن «شر في غير محله»، وهي حالة نفسية معروفة تنجم عن إرغام الأطفال العسر على استخدام اليد «الصحيحة» في الكتابة. في أثناء الثورة الصناعية، ناضل العسر في أماكن العمل لمنافسة أقرانهم، اذ إن الآلات والمعدات في المصانع كانت قد صممت لمستخدمي اليد اليمنى.
أدمغة منظمة
في دراسة أجريت العام 2007، لباحثين من كلية لندن الجامعية، من خلال تحليل مشاهد التلويح باليد في الأفلام، كشفت عن ان المواليد بين عامي 1890 و1910، انخفضت نسبة العسر بين السكان الى أدنى مستوى لها لتصل الى 4 بالمئة فقط، لكن هذه النسبة عادت الى معدلها الطبيعي وهي 10 بالمئة في انجلترا منتصف القرن العشرين. تشير مراجعة للتأريخ الحديث الى أن العسر بات لهم اليد الطولى، اذ باتت ممثلة وبشكل كبير في الرياضات التنافسية الاحترافية القائمة على التنافس الناري، كالتنس والكريكيت والملاكمة والبيسبول، اذ ان 50 بالمئة من أفضل الضاربين على مدى تأريخ لعبة البيسبول هم من العسر. يمتلك الأشخاص العسر أدمغة منظمة بطريقة غير عادية تمنحهم العديد من المزايا الإدراكية الأخرى، وهو ما أثبته مخترع القلم الحبر الجاف الحديث، لازلو بيرو، الذي كان أعسر، اذ يرتبط نصفا الكرة الدماغية لديهم بشكل أفضل ما يمنحهم التميز في استخدام اللغة وذاكرة أفضل، وينسحب ذات الأمر على الرياضيات، ففي دراسة أجريت شملت 2300 كالب ايطالي، كشفت عن أن العسر تفوقوا في حل المسائل الصعبة على أقرانهم من مستخدمي اليد اليمنى. ونذكر هنا بأوبرا وينفري ونعوم تشومسكي وبيل غيتس ومارك زوكربيرج وباراك أوباما، كمجموعة من الشخصيات العسر البارزة.