محمد شريف أبو ميسم
شهدت سنوات الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي، تطبيقا قسريا لمفهوم الاستهلاك المستدام لدى أفراد الاسرة العراقية والتشكيلات المجتمعية الأخرى التي توارثت سلوك الهدر في الاستهلاك جراء الوفرة التي عرفت بها بلاد ما بين
النهرين.
والاستهلاك المستدام، مصطلح اقتصادي يشير الى استخدام المنتجات المادية، والخدمات غير المادية بحيث يمكن ضمان تحقيق الاحتياجات البشرية بطريقة تقلص آثارها في البيئة إلى الحد الأدنى، اذ فرضت سنوات العوز وانعدام الموارد في سنوات الحصار الاقتصادي، حالة من الاعتماد على السلع المستعملة واعادة تدويرها في ظل بطالة استنفدت المتاح من تلك الموارد تحت مظلة كساد غير مسبوق، حيث اعتمدت أسر الطبقة الوسطى وحتى الميسورة منها على البضائع المستعملة، كالثياب والأدوات والمفروشات، بينما وصل الحال بالطبقات الفقيرة الى بيع أبواب وشبابيك المنازل المتهالكة أو بيع السقوف والطابوق ليعاد تدويرها لبناء منازل
جديدة.
ولسنا هنا في معرض التذكير بما شهده الشعب العراقي ابان سنوات الحصار الاقتصادي قدر استحضار مفهوم الاستهلاك المستدام، ونحن ازاء حاجة ملحة لوضع حد للهدر في الموارد وازاء أنماط مشوهة من الاستهلاك. ليس على مستوى الأفراد والأسر، بل على مستوى التشكيلات المؤسسية التي ما زال البعض منها يعاني من سوء ادارة الموارد، بمعنى ان سنوات الحصار لم تغير في مداخيل ثقافة الاستهلاك، مثلما غيرت سنوات «الكساد الكبير» في نمط الاستهلاك مثلا داخل التشكيلات المجتمعية في الولايات المتحدة، وفرضت تحسينات في قدرات زيادة الدخل، ورؤية مضافة لقيمة الاستثمار، فضلا عن مساهمتها في ولادة الأفكار والنظريات الاقتصادية، التي تستدل بها الحكومات في مراحل الانكماش الاقتصادي، مثل استخدام الحزم التحفيزية وأهمية الاقتصاد الكينزي والضمان
الاجتماعي.
ومن الناحية النظرية لا يقتصر مفهوم الاستهلاك المستدام على الحاضر، بل يتعداه الى المستقبل بما يضمن حقوق الأجيال المقبلة. ويرتبط الاستهلاك المستدام ارتباطا وثيقا بالإنتاج المستدام وأساليب الحياة المستدامة. بما يؤسس لحياة مزدهرة للأفراد والأسر والتشكيلات المجتمعية الأخرى، حيث يقلص أسلوب الحياة المستدامة الأثر البيئي إلى حده الأدنى، مشروطا بوجود أفراد يميلون للاحساس بالمسؤولية في تبني
الممارسات.