بقعة ضوء على جماليات الجسد

ثقافة 2019/02/25
...

 
 صباح محسن كاظم 
تنوعت مؤلفات الكاتب والروائي الشهيد "علاء مشذرب" بأجناس إبداعية مختلفة بالمنجز المطبوع الذي قارب العشرين بين الرواية والكتابة الفنية عن السينما والتلفزيون والدراما والتأريخ وكتاب ظريف وطريف بموضوعه و معالجته، غير نمطي ومألوف.. يتناول فيه كل أبعاد الجسد، وتفاصيله.. (جمالية الجسد بين الأداء والاستجابة) صدر عن دار عدنان  بـ 200 صفحة.. في هذا الاشتغال الجمالي المعرفي  في الإنشاء التعبيري، بعلامات تحيلنا إلى التأمل لما جاس به مناطق تمثل الندرة في التعاطي كتابة بها بتفاصيل مشوقة تكاد لاتلفت الانتباه للتدوين لكن الشهيد ربما في لا وعيه...أن جسده سيتعرض لتمزيق غدر الرصاص.. كما ورد بالإهداء ص5: (إلى جسد أخي الذي مزقته رصاصات البعث وتركت ستة عشر ثقبا فيه.......)كتب التقديم الناقد الدكتور محمد ابو خضير في ص13:(.... وفي رصده للحراك الفعلي والمفاهيمي للجسد. يسوغ الكاتب تثميره لرهط فلسفات وسمت بالفعلية او/ والأدائية مثل (الماركسية /الظاهراتية/البراغماتية/الوجودية) ويؤشر المتلقي بالرغم من كل ذلك مقايسة (نسقية) تومض بارقة في بعض إجراءاته ماعد تسكينا لأفعال (الكتابة) والاحتفاء بـ(الأورميات) و (المرجعيات) عمادها (الانثروبولوجيا/التعزية الحسينية/الصوري-الهيولي/المتون الأكاديمية) ويناظر ذلك اختراقات أدائية سافرة وسائحة في شتات مشهدي(كرنفال/كروتمك/مفارقة/هزل  /هامش /يومي).
 
الخيال والدراما
فيما أوجز المؤلف الشهيد بمقدمته بكتابه الجميل أفصح فيه عن مشروعه، ورؤيته بالموضوع بروح تمتلئ بالظرافة وتتخله الدعابة بسرد الطرائف عن جسده - الضخم-من كان طالبا ومختلف مراحل حياته.. في ص 19 من مقدمته: (.... والكاتب متى ما استطاع أن يحول خياله إلى مادة درامية مسطرة من خلال الوسيط التعبيري، أصبح بإمكاننا أن نخضعها على منصة التشريح للاستدلال وذلك بإرجاعها إلى الوجود الأول (الانطولوجيا) والذي تبيح له القدرة على التواصل المباشر مع المتلقي.....)الكتاب بفصوله الثلاثة تنوعت المعالجة والرؤية والغوص والتفاصيل فقد جاء بالفصل الأول /الجمال في اللغة والفلسفة/ الجسد لغويا /أعضاء الجسد.. فيما ناقش في الفصل الثاني قضيتين جوهريتين 1-الجسد صيرورة التأريخ 2- التماهي التأريخي والنصوص القرآنية حول الجسد من 
ص45-80..
 أكد في هذا الفصل على طفولة الحضارة والصراع مع البيئة، وتفاعل الجسد بكل مراحل النشوء والتطور والتحولات مرورا من ملحمة كلكامش إلى المنظور الرؤيوي القرآني عن وظيفة الجسد من مراحل الحياة إلى القبر.. فيما عالج بالفصل الثالث تفصيليا لماتبقى من ثلث الكتاب لموضوعات شتى، تخلل ذلك ذكرياته بحياته الدراسية والعسكرية والوظيفية وتحولات الجسد، والتركيز الذكوري على جماليات جسد الأنثى بكل تفاصيله المغرية..كتب في ص106:(... وعند الفنانين يناط بالدائرة رمزية المرأة بكل أنوثتها وجمالها. أما العيون فذاك كهف غائر لم يترك الشعراء لنا شيئا لنكتب فيه ولكن مع ذلك بقيت العيون زاخرة بالحياة والحب.......) يسترسل بتفاصيل الجسد والرغبة الإنسانية التي وهبها الخالق للتعلق به مفصلا الرغبة البشرية بكل جزء منه، ثم يعرج في ص143 على لغة الجسد والعلاقات والانفعالات والحركات والإشارات بالقول ) اللغة بأبسط أشكالها هي نظام إشارات مقصود، يتم بموجبها الاتفاق مابين قوم، أو شعب من الشعوب أو مجموعة شعوب، وهي ليست نتاجا فنيا كما في السينما، تكون فيها الإشارات منتقاة ومنظمة ومقصودة، بل هي " إنتاج مصدره الطبيعة، شأنها في ذلك شأن الإنسان نفسه،....).. بالطبع كل التعابير اللحظوية لدى الإنسان بالفرح أو الحزن هناك تعابير واضحة تطرأ على الجسد، وحركته في الانشراح عند الأفراح، والانقباض  عند الأحزان والمأساة.. حاول الدكتور علاء مشذوب بسفره الجميل  الإحاطة والشمول بكافة الجوانب التي ناقش فيها وجودنا الجسدي، الذي نحاول الحفاظ عليه، من أجل استمرارية البقاء، لكن رصاص الغدر يخطف الأجساد البريئة في ثنائية وجودنا بين الجمال والقبح والخير
 والشر..
حتى أن الرؤية للجسد تكاد تتماهى مع ماحصل للكاتب في ص١٧٢ بالقول) إن العلاقة بين الأشياء وبين جسدي فريدة حتما فهي التي تجعلني أحيانا في الظاهر وهي كذلك التي تدفعني أحيانا نحو الأشياء  بحد ذاتها. إنها تلك العلاقة التي تثير وتحرك الظواهر، وهي كذلك  التي تحرسها وتدفعني الى وسط العالم، وكل شيء يحدث كما لو أن قدرتي في التوصل الى العالم وتلك التي تعيدني إلى الأوهام لايمكن فصل أحدهما عن الأخرى..).. إن غاب جسدك ياعلاء روحك تملأ كل مكان.