تعد الثورة الصناعية الرابعة امتدادا للتطورات التي حصلت في مجالات التكنولوجيا الناتجة عن الثورات الصناعية السابقة، لا سيما الثورة الصناعية الثالثة، وهي تجسيد لحتمية التطور الذي تعيشه البشرية على مدى تاريخها، فالحتمية التكنولوجية تأتي بفعل تطور حاجات الانسان التي تدفعه الى اختراعات جديدة تواكب التطورات التي يعيشها في حياته اليومية وما يطرأ عليها من احتياجات .
والثورة الصناعية الاولى التي تميزت باختراع المحرك البخاري وصناعات الفحم الحجري والحديد والسكك الحديدية والصناعات النسيجية تعززت بالثورة الصناعية الثانية التي تميزت باختراع الكهرباء وما تبعها من اختراعات مهمة تعتمد عليها غيرت بشكل جذري من الحياة البشرية باختراع وسائل النقل الفردي والجماعي مثل المركبات والطائرات. ما لبثت ان تعززت بالثورة الصناعية الثالثة التي كان الحاسوب اهم انجازاتها واختراعاتها، فبظهور الحاسوب بقدراته الهائلة على تخزين واسترجاع ومعالجة المعلومات والبيانات وما تبعه من اختراع شبكة الانترنت والتي شكلت ثورة بحد ذاتها في مجال الاتصالات والمعلومات والاقتصاد والاعلام امتدت آثارها الى جميع دول.
حتى جاءت في السنوات القليلة الماضية الثورة الصناعية الرابعة بفعل الاختراعات المميزة لهذه الثورة والتي تتمثل بمجالات التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا النانو والذكاء الاصطناعي وانترنت الاشياء والروبوتات والطباعة ثلاثية الابعاد والمركبات ذاتية القيادة وحوسبة الكوانتوم، فضلا عن توفير قدرات متزايدة لخزن كميات هائلة من البيانات والمعلومات، وما باتت تشكله من رأس مال لايقدر بثمن، إذ يمكن تحويل هذه البيانات الى ثروات كبيرة جدا انتجت ما بات يعرف باقتصاد البيانات والمعلومات.
وتعد جميع هذه الاختراعات امتدادا حقيقيا للتكنولوجيا الرقمية التي تمثل أحد أهم اختراعات الثورة الصناعية الثالثة. وأن أهم مميزات الثورة الصناعية الرابعة هي إلغاء الحدود الفاصلة بين التقنيات البيولوجية والمادية والرقمية. وهو مايفتح الباب واسعا على اختراعات لاعد لها في مجالات التكنولوجيا الحيوية وتطوير التكنولوجيا الرقمية من اجل الوصول الى تكنولوجيا الكوانتوم، والى أن تحل محلها في ظل هذه الثورة المتقدمة بمراحل كبيرة عن الثورات الصناعية السابقة. والتي ستشكل نقلة كبيرة جدا في المجالات الحياتية والاقتصادية والعلمية والتعليمية والمعلوماتية.
إن التطورات الحاصلة في مجالات الثورة الصناعية الرابعة تتطلب من بلدنا أن يعمل على الإفادة منها ومواكبتها، وأن يكون لنا دور فيها من اجل تطوير واقع الاقتصاد العراقي وتخليصه من الارتهان للمادة الاوحد في الحصول على موارده (النفط الخام)، وتنويع مصادر الحصول على الدخل من خلال التكنولوجيا المتقدمة في مجالات الثورة الصناعية الرابعة التي تؤهله لان يكون في عداد الاقتصاديات المتقدمة، وما يرافقها من تطوير للبنية التحتية في مختلف المجالات التي تشكل عامل جذب للاستثمارات الاجنبية، وما يمكن أن تسهم به من جلب منافع مالية واقتصادية لبلدنا.
لذا فإنه من الضروري جدا العمل على وضع ستراتيجية متكاملة واضحة وواقعية تمكن بلدنا من الاستثمار في هذه الثورة ومواكبتها لإحداث التطور المطلوب بالاقتصاد العراقي.