بدور العامري
لا شك أن مقولة {بناء الانسان أعظم استثمار في بناء الأوطان} أثبتت صحتها وتشخيصها الدقيق لأهمية الثروة البشرية، كونها أساساً لكل تنمية وعلى جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية وغيرها، وخير دليل على ذلك هو حال عدد من البلدان التي نهضت من بين الركام والدمار بسبب الحروب والأزمات الاقتصادية القاسية، نتيجة لتبنيها سياسات اقتصادية وبنوية تمحورت على بناء الإنسان وتطوير مهاراته وكفاءاته، لتصبح من البلدان المتطورة في مختلف المجالات خلال فترات قياسية مثل اليابان وسنغافورة وماليزيا.
تنظيم ومؤسسات
إن موضوع التنمية البشرية ليس بالحديث، لكنه أخذ دلالة جديدة منذ تسعينيات القرن الماضي، بعد أن كان المصطلح يعنى بتحقيق النمو الاقتصادي الذي هو عملية كمية فقط، أما المفهوم الحالي فيعتمد على تحسين نوعية الخدمات بمختلف مجالات الحياة الإنسانية، وأخذ الموضوع يشغل حيزا كبيرا من تفكير المهتمين بعد انتشاره بصورة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، كنتيجة طبيعية لتطورات الحياة وتعدد احتياجات الافراد واتساعها في مختلف المجالات، ما استوجب ايجاد جهة مختصة توكل إليها مهمة تنظيم وتأطير العمل التدريبي للأشخاص والمنظمات والمؤسسات المختصة بشأن تنمية الافراد وزيادة كفاءة العمل، متمثلة بالنقابة العامة لمدربي التنمية البشرية التي أسست في عام (2019)، قال رئيس النقابة، الدكتور مخلد حمزة الشمري، في حوار لـ {الصباح}: {بعد جهود حثيثة ورغبة منا في إشاعة ثقافة التنمية البشرية لمختلف فئات المجتمع، تم تأسيس النقابة التابعة للاتحاد العراقي لنقابات العمال وفق قانون الحريات النقابية رقم 87 لسنة (2017) وقانون العمل العراقي رقم 37 لسنة (2015)، باعتبارها جهة داعمة للتنمية البشرية تجمع نخبة من المدربين العاملين في مجال التنمية البشرية}.
فرص عمل
أوجد الانفتاح السريع على العالم ودخول منظومة الانترنت (الشبكة العنكبوتية) الى البلاد بعد عام (2003) بيئة مناسبة لعدد من الشباب المثقفين في أن يطوروا من خبراتهم وقدراتهم في مجال التنمية البشرية والاستثمار الأمثل لطاقاتهم في عدة مجالات، منها التدريب وتطوير الذات والتجارة والتسويق عن بُعد.
الشاب أسامة الربيعي (29عاما) أحد الشباب الذين استثمروا وجود التكنولوجيا الحديثة ومفاهيم التنمية البشرية بصورة سليمة، وبالتالي الحصول على عمله الخاص به كثمرة لتطبيق البرامج والمهارات التي حصل عليها وتوظيفها بالشكل الصحيح، إذ أكد {استطعت أن احصل على وظيفتي كمدير قسم في إحدى شركات الهاتف النقال بفضل الخبرة التي اكتسبتها من دورات التنمية البشرية في تطوير المهارات واستخدام الحاسوب التي تلقيتها خلال الفترة الماضية، إضافة الى اطلاعي على معلومات فن التسويق وخدمة العملاء على موقع اليوتيوب ومتابعة خبراء التنمية في هذا المجال}.
مجالات وتخصصات
وفي الخصوص نفسه، قال السيد مخلد الشمري: ان النقابة مستمرة في تقديم خدماتها التدريبية والتطويرية في عدة مجالات لغرض رفد سوق العمل بالكوادر المؤهلة والشباب ذوي الخبرة العملية من جهة، وتطوير إمكانات وقدرات الموظفين من جهة أخرى، وعلى مختلف المحاور، ومنها التنمية الإدارية والقيادية والتنمية المالية والمصرفية والمحاسبية، إضافة الى تنمية الحرف والمهن اليدوية، وكذلك هناك اهتمام كبير بحقل تكنولوجيا المعلومات والشبكات والحاسوب، نتيجة لدخوله في جميع الاختصاصات، خاصة بعد جائحة كورونا التي استدعت العمل عن بُعد من خلال الاستعانة بأجهزة الحاسوب عبر فضاء الانترنت.
وتابع الشمري بخصوص الدورات التدريبية التي تقدمها النقابة في المجالات الثقافية والمعرفية مثل تنمية اللغات الأجنبية والصحافة والإعلام، فضلا عن محور التنمية البشرية والاستدامة، مشيرا الى أن النقابة هيأت 200 مدرب وطني وبشهادة دولية معتمدة، بينما وصل عدد المستفيدين الى ثلاثة آلاف مستفيد منذ المباشرة بعمل النقابة قبل عامين لغاية الآن، الذي توزع ما بين ورش وندوات ودورات تدريبية مجانية قدمت لمختلف شرائح المجتمع.
تطوير الأداء
واوضح الدكتور مخلد حمزة في ما يخص الأهداف التي تحرص على تحقيقها نقابة التنمية البشرية في العراق، قائلا: {من أهم الأهداف التي تسعى الى تحقيقها النقابة هو ترصين العملية التدريبية وحوكمتها باستخدام احدث المعايير المعتمدة عالميا، وبناء القدرات الفردية والمؤسساتية، ودعم صناع القرار فيها بالبرامج المستحدثة عالميا، وكذلك تشجيع ثقافة الحوار التنموي، من أجل تقديم حلول ومقترحات ستراتيجية تخدم عملية التنمية البشرية، إضافة الى تشجيع البحوث العلمية في التخصصات التدريبية ومجالات التنمية والعمل على نشرها وتوزيعها}.
وبما يخص الجهات التي تتعاون معها النقابة، أكد الشمري: ان العمل والتنسيق مستمران مع عدد من المؤسسات التعليمية والمنظمات المختصة بالتنمية البشرية، المحلية والدولية، مثل كلية الرافدين الجامعة عن طريق فتح مكتب خاص بالنقابة فيها، وكذلك التعاون مع عدد من المؤسسات التدريبية مثل (الجسور للتدريب والاستشارات الإحصائية والوكالة الحرة للتسويق الإعلامي ومركز (LTC)، إضافة الى التواصل والتنسيق مع الاكاديمية الاوروبية للدراسات المتخصصة والجامعة الاوروبية، فضلا عن كلية اوكسفورد الدولية للغات والعلوم الاقتصادية.
طاقة إيجابية
وعن أهمية البرامج والمعالجات التي يقدمها المختصون في مجال التنمية البشرية، قالت المستفيدة آلاء حبيب (38عاما): {نصحتني احدى الصديقات بالانضمام الى دورة في مواجهة الضغوط النفسية بالطاقة الإيجابية لدى أحد المدربين المختصين عن طريق الانترنت (اونلاين)}، مؤكدة انها وجدت فائدة كبيرة نتيجة للنصائح والتعليمات التي يقدمها خبراء تنمية الذات على مواقع التواصل الاجتماعي، اذ بينت السيدة آلاء حبيب: {ان هناك تغييرا كبيرا طرأ على حياتي الشخصية، فقد أصبحت اكثر تفاؤلا بالحياة والمستقبل، بعد أن كنت اعاني من ضغوط الحياة والانهماك بين متطلبات اطفالي وزوجي، وانشغالي بالأمور المنزلية، اذ عملت على تطبيق برامج تنظيم الوقت وإدارة ميزانية المنزل بطريقة اقتصادية، إضافة الى الاهتمام باحتياجاتي النفسية أكثر من السابق عن طريق الإكثار من قراءة القرآن لما فيه من الراحة النفسية، وتخصيص وقت لممارسة هواياتي المحببة}.