فوضى القرن الافريقي.. حرب تيغراي قد تقود الى بلقنة اثيوبيا

بانوراما 2021/08/30
...

  دانييل هايل
    ترجمة: خالد قاسم
بعد هدوء هش ساد جبهات القتال داخل الاقاليم، تواجه اثيوبيا، ثاني دولة افريقية من حيث الكثافة السكانية، خطر البلقنة بسبب الحرب العرقية الحالية من قبل الحكومة ضد افراد عرقيات التيغراي وامهرة واورومو، اذ تعجز حكومة ابي احمد عن جلب الاستقرار والازدهار الاقتصادي الى البلاد، ومن جهة اخرى، فان هذه الحكومة مدينة بالفضل لمساعدة الرئيس الارتيري ايسياس افورقي الذي دفع بقوات بلاده الى عمق الاراضي الاثيوبية.
 
تعد ارتيريا الرابح الستراتيجي من فوضى اثيوبيا، فقد نجحت اسمرة بتحقيق ثلاثة اهداف تمثلت ببلقنة اثيوبيا عبر اشعال النزاع العرقي وازالة قوة جبهة تحرير شعب تيغراي من المشهد السياسي، كما نزعت شرعية حكومة ابي احمد محليا وداخليا عبر خلق دولة ضعيفة لا يمكن حكمها، اضافة لذلك منحت علاقة المصلحة بين افورقي واحمد رئيس ارتيريا مجالا لفرض تكاليف جيوسياسية وستراتيجية عسكرية على حساب حكومة 
اثيوبيا.
ويبدو ان ارتيريا هي الرابحة من صراع اثيوبيا حتى الان لان تلك الفوضى تبقي حكومتها على مستوى متصاعد من النفوذ، وكانت ارتيريا قد استغلت حربها مع اثيوبيا سنة 1998 كحجة لابقاء تلك الدولة الناشئة (استقلت عن اثيوبيا سنة 1992) في حالة استعداد دائم للحرب، ونشر افورقي قوات لمواجهة حكومة اقليم تيغراي الاثيوبية بهدف منح حكومة اسمرة شريان نجاة، ويبدو انه نجح في ذلك منذ تلك الحرب.
تحول الرئيس الاثيوبي  في نظر الغرب، من فائز بجائزة نوبل للسلام الى مشعل للحرب، وبدأت بلاده تشبه يوغوسلافيا السابقة، واذا ما استمرت اديس ابابا بالتحرك في هذا الاتجاه ستتحول قريبا الى دولة فاشلة، فقد عاشت اثيوبيا خلال السنوات الاخيرة اوضاعا من الفوضى السائدة، وكان رئيسها قد فاز مجددا بانتخابات تناولتها الشكوك هذا العام وجعلته رئيسا للوزراء لخمس سنوات مقبلة، ولا تمتلك حكومته مجالا للمناورة بسبب مواجهتها الصراع في اقليم تيغراي المجاور لارتيريا، وامهرة المتطرفة وميليشيات عرقية اورومو التي تدفع البلاد نحو البلقنة وتداخل ارتيريي مستمر مع اوضاعها.
 
 استغلال الفوضى
العداء بين الجماعات العرقية الاثيوبية الكثيرة ليس جديدا، لكنه كان خامدا وتحت السيطرة من قبل حكام البلاد السابقين، وها هو الان عرضة لأفضل اشكال الاستغلال من قبل اسمرة، التي يحكمها الرئيس افورقي منذ نحو 30 سنة، ولديها الكثير لتكسبه من فوضى اثيوبيا بسبب التوترات العرقية والسياسية الشبيهة بنظام حكمها، وتسعى حكومة اسمرة للاستفادة القصوى اقتصاديا وعسكريا، من امكانات الدولة التي تستعمرها لعقود، بما يكفي لاضعاف نفوذ اديس ابابا في القرن الافريقي، وهكذا كان عليها العمل لابقاء اثيوبيا مقسمة داخليا الى عرقيات متناحرة بدلا من حكومة مؤسسات خاصة وانها تعد مثالا تحتذي به بقية دول شرق افريقيا. ويخشى الرئيس اوفورقي من ان تسعى اثيوبيا الى اسقاط نظامه او توفير الملاذ لاحزاب سياسية ارتيرية في المنفى تعمل ضده.
لم تعد جبهة تحرير تيغراي قوة سياسية كبيرة في اثيوبيا، لكنها عامل مهم في استقرار البلاد، لكونها تضم عرقية متنفذة رغم كونها اقلية، واذا استمر الصراع قد تضطر الجبهة للانفصال عن اثيوبيا، وتتبعها مناطق اخرى على  المنوال نفسه، فالنزاع الذي انطلق اواخر العام الماضي بدأ يتطور، واضعا مستقبل اثيوبيا وحكومتها تحت الخطر.
واستعاد مسلحو الجبهة السيطرة على مدينة ميكيلي بعد قتالهم ضد القوات الاثيوبية ومليشيا امهرة والقوات الارتيرية، وانسحبت القوات الرسمية من المدينة، اذ ادعت الحكومة انه انسحاب تكتيكي، لكن احمد عاد لصراع تيغراي بمعارك ونزيف متجدد، ولا يوجد مؤشر على سحب ارتيريا قواتها من تيغراي، ومن غير المحتمل سحبها لان اسمرة مستفيدة من وضع اثيوبيا الحالي.
لا يعني انتصار افورقي الستراتيجي في الحرب تحسّن العلاقات بين البلدين، لكن ترك القتال مع جبهة تحرير تيغراي يحقق هدفا رئيسا يتمثل بتحسن العلاقة بين العاصمتين، رغم انها تحتمل شراكة مهزوزة معرضة للخطر اذا ما هزمت جبهة تحرير تيغراي، وبدون هذا العدو المشترك سيسهل الاقتتال بينهما، لذلك ستكون الجبهة حاجزا امام اي هجوم اثيوبي 
مستقبلي. 
عموما، بلقنة اثيوبيا المحتملة (مع عدد سكان يبلغ 118 مليون نسمة) قد تزعزع استقرار القرن الافريقي وكذلك ارتيريا، وتعد المنطقة حاضنة لدول فاشلة اخرى مع وجود الصومال وجنوب السودان، لذلك فان تشظي اثيوبيا سيغير المشهد الجيوسياسي تماما ويشعل ازمة انسانية كبرى.