النونو

الصفحة الاخيرة 2019/02/26
...

حسن العاني 
في تموز 1970 سافرت مع مجموعة أصدقاء الى أربيل, وتحديداً (مصيف شقلاوة), كانت تلك زيارتي الأولى الى كردستان, ومع أنَّ المدينة يومها كانت متعبة وغير مهيأة لاستقبال السياح أو المصطافين بسبب المشكلات السياسيَّة والحروب مع المركز, إلا أنَّ بيان الحادي عشر من آذار في تلك السنة, أعاد للمصايف نشاطها السياحي القديم الى حدٍ ما, ولم تكن مدينة شقلاوة خارج هذا الواقع, ولهذا فوجئنا بأنَّ أعداد المصطافين من شتى المحافظات العراقيَّة ومن بعض الدول العربيَّة, وخاصة الخليج, هم أكثر بكثير من الطاقة الاستيعابيَّة لشقلاوة التي لم تستعد لموسم السياحة الصيفي بما فيه الكفاية, غير أنَّ هذه المشكلة جوبهت من قبل الوافدين جميعاً بأعلى درجات التعاون والتفاهم والمحبة, كانوا يتصرفون وكأنهم أسرة واحدة, ولعلَّ نسبة (العوائل) التي تقل عن 10 % مقارنة بنسبة الشباب (العزاب) التي تزيد على 90 % كانت من بين أهم العوامل التي ذللت المصاعب وساعدت على تجاوز 
المشكلة.
أشهد أنني استمتعت بتلك الرحلة وبجمال المدينة وطبيعتها الساحرة وطيبة أهلها, وربما ترك ذلك الانطباع المبكر عن مفاتن شقلاوة أثراً نفسياً عميقاً جعلني لا أنقطع عن زيارة كردستان في سياحات صيفيَّة وشتويَّة, وحصل في واحدة من زياراتي الى أربيل خاصة بعد (2003) حيث توليت إدارة المكتب الصحفي لمجلة (الصوت الآخر) في بغداد, وهي من أبرز المطبوعات الصادرة في أربيل, وكنت أسافر شهرياً لضرورات العمل, أقول: حصل في إحدى الزيارات أنْ تعرفت على شاب كردي كان يجلس الى جواري في المركبة, وعرفت أنه يعمل طبيباً, وقد أصرّ بعد تناول الغداء في (طوزخورماتو) على أنْ تكون الوجبة على حسابه, مثلما أصّر على أنْ أكون ضيفاً عليه مدة مكوثي في أربيل, ولكنني اعتذرت بشدة, ومع أنه قَبِلَ اعتذاري, إلا أنّه أجبرني على تناول العشاء في بيته... ومن يومها انعقدت بيننا صداقة وطيدة, زارني في بغداد مع أُسرته غير مرَّة, وزرته في أربيل عشرات المرات, وما زلنا إلى الآن نتواصل عبر الهاتف أو الانترنت أو الزيارات المباشرة.. وقد لاحظت عبر العلاقة الطويلة, أنه ميال الى المزاح ويعشق
 المقالب...
أثناء وجودي في أربيل تعرضتُ ذات مرة الى وعكة صحيَّة فقصدته وشرحت له طبيعة الآلام التي أشعر بها, وبعد أنْ فحصني راح على عادته يتحدث معي بالكردية (كان يطلب مني دائماً أنْ أتعلم الكرديَّة, وأفضل وسيلة لتعلم أية لغة هي التحدث بها, كما قالي لي) وأذكر أنه سألني ما معناه (منذ كم يوم وأنت في اربيل) فأجبته بالكردي (ثلاثة أيام), وكتب لي العلاج وابتسامة على وجهه, اشتريت الدواء من أقرب صيدلية, والغريب أنه كان (حليب أطفال) ولهذا عدت إليه للاستفسار, فقال لي (سألتك كم عمرك, فأجبتني 3 أيام) ثم أطلق ضحكة عالية.. قبل أسبوعين اتصل بي هاتفياً وسألني بطريقته المازحة: ها.. شلون النونو؟!