كيف أدى تفجير بيروت لأزمة صحة نفسيَّة؟

بانوراما 2021/09/01
...

 هانا مكارثي
 ترجمة: مي اسماعيل
بعد مرور أكثر من سنة على تفجير ميناء بيروت؛ يكافح اللبنانيون أزمات متشابهة متعددة لدرجة جعلت اضطراب ما بعد الصدمة عاملا مستمرا واسع الانتشار، وسط الفوضى الاقتصادية. شعرت ريان خاتون بالاحباط بعد مرور ذكرى الحريق؛ إذ كانت متوترة دوما طيلة شهور ما بعد كارثة المرفأ، فقد قذفها التفجيرإلى جدار قريب أثناء عودتها من العمل؛ فأصيبت في رأسها وبكسر في عظم الوجنة وتمزق في الأوتار، وقد عانت منذ ذلك الحين من كوابيس متكررة وأرق ونوبات من القلق. 
تقول: {طيلة أشهر كنت خائفة جدا من الاقتراب من الزجاج، مع شعور بالفزع من الأماكن المفتوحة}، ويعيش أولادها خوفا دائما من حدوث شيء لها؛ بعدما رؤوا كم تأذت.
في بلد يعيش مرحلة انحدار اقتصادي؛ وجد الناس أنفسهم في قبضة أزمة صحة نفسية بلا موارد كافية للتعامل معها، تقول مصادر من {خط الحياةLifeline}؛ وهو منظمة مساعدة للوقاية من الانتحار، ان عدد المكالمات التي تتلقاها شهريا تضاعف تقريبا منذ شهر أيار الماضي الى 1050، وتصف أوليفيا شاب مختصة بعلم النفس من الجامعة الأميركية ببيروت تفجيرالمرفأ بانه {مزق منازل الناس وهم في داخلها، ودمر قدرة العديد منهم في ضمان العيش 
براحة بال}. 
وبسبب نقص الوقود أصبح انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع مستمرا لمدة تصل إلى 22 ساعة في اليوم وسط اجواء صيف لبنان الحار الرطب، أما الدكتور جوزيف الخوري رئيس الجمعية اللبنانية للطب النفسي فتحدث عن تقارير تتعلق بمتاعب الأطفال التي تضيف ضغوطا على الأهل، كذلك أجبر انقطاع التيار الكهربائي العديد من المصالح التجارية، التي تواجه بالفعل اقتصادا متدهورا وعملة متقلبة، على الاقفال المبكر لعدة ساعات يوميا؛ متسببا بقلة الدخل اليومي الذي هم في أمس الحاجة إليه، يقول جان إنطوان الذي يدير مقهى تضرر في التفجير: {ليس لدينا وقود ولا كهرباء، فيما تتغير أسعار المواد الأولية كل ساعة}.
 
في مواجهة الذكرى
شعرت ريان خاتون بالحيرة بشأن إحياء الذكرى السنوية للتفجير، وتركزت مخاوفها من أن وجودها قرب المرفأ قد يكون له أثر في صحتها الذهنية، من الشائع أن تصبح الأعراض أسوأ عند حلول الذكرى السنوية للأحداث؛ خاصة إذا كان تجنبها يمثل نوعا من آليات التكيف، كما تقول د. شاب يمكن للناس تلافي النقاش حول التفجيرأو الذهاب قرب المرفأ؛ {لكن لا يمكنهم تجنب وصول تاريخ يوم معين والأحاسيس التي جاءت مع ظهيرة رطبة مشمسة في ذكرى الحريق}، ويضيف د. خوري ان إعادة توزيع مقاطع الفيديو الخاصة بالتفجيرنفسه من المرجح أن تزعج من  يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، {لا أعتقد أن باستطاعتنا منع الناس من تداول الأفلام؛ خاصة في سياق مواقع التواصل الاجتماعي؛ لكنني أُشجع من يشعرون بالحاجة للمشاركة أن يقدموا قصتهم الخاصة، أو صورا تحمل رمزية خاصة لهم}.
كانت الصحة النفسية ذات أولوية منخفضة في النظام الصحي اللبناني؛ الذي يميل نحو التدخلات عالية التكلفة لصالح الأثرياء، بدلاً من الرعاية ذات التكلفة المقبولة لعامة السكان. 
ووفقا لصندوق أبحاث التحديات العالمية لم يستطع نحو مليوني لبناني واقعيا تحمل كلفة الذهاب الى الطبيب سنة 2020، خلال الأشهر السابقة التي تلت التفجيرتزايد الطلب على الرعاية النفسية؛ وفقا لدكتور خوري؛ الذي يقدم وصفات العلاج النفسي والمشورة والأدوية لمعالجة الناجين من  تفجيرالميناء من الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة. 
للمفارقة كانت هناك هجرة جماعية للأطباء النفسيين وعلماء النفس من لبنان؛ إذ انخفضت قيمة الرواتب بنحو تسعين بالمئة بسبب انخفاض قيمة العملة اللبنانية، وبات د. خوري يعمل الآن غالبا من دبي؛ الذي يمضي قائلا: {الكثير من الناس الذين عاشوا مرتاحين اقتصاديا لعقود طويلة باتوا الآن بالكاد يكسبون قوتهم}.
 
{خط الحياة}
فيما يملك مقر {خط الحياة} للدعم النفسي مقدارا من الوقود يكفي للعمل 21 ساعة/يوم؛ فقد تفاوض مسؤولوه مع وزارة الصحة للحصول على ألواح الطاقة الشمسية، لتقليل الاعتماد على الوقود الشحيح بشكل متزايد، وأتاح هذا الوضع تقديم خدماته طيلة 24 ساعة يوميا وفقا لحديث {هبة دندشلي} مديرة الاتصالات في {Embrace Lebanon} وهي المنظمة غير الحكومية التي تدير {خط الحياة}، لكن المتصلين بالخط يعانون من استمرار انقطاع التيار ورداءة الاتصالات؛ وتلك العقبات تؤثر في قدرة المستشارين بالتواصل مع الأشخاص الذين لديهم معاناة.
يقول د. خوري: {الجانب الايجابي أن الحديث عن مشكلات الصحة النفسية ليس أمرا محرجا؛ خاصة بالنسبة للأجيال الشابة، ما يساعد في البحث عن المعالجات الملائمة، وتبقى هناك مشكلة الحصول على العلاج الذي يرتفع سعره هذه الأيام}، لكن {ريمي الحاج} الصيدلي باحد مستشفيات بيروت يقول: {إن انخفاض قيمة الليرة اللبنانية ونفاد مخزون الأدوية المهمة زادا من متاعب العمل التجاري في الهيئات 
الصحية}.
وتقول د. شاب: إن علاج الصدمات يعتمد على عودة المريض إلى الشعور بالأمان وان الخطر قد انتهى، لكن الأزمات الاقتصادية والخدمية دفعتهم للمرور بظروف مشابهة لتداعيات ما حدث في العام الماضي بعد الحريق، وحتى الآن لم تحدد السلطات المسؤولية عن تفجيرالميناء فيما تملصت شركات الشحن البحري من المسؤولية، وتعتقد د. شاب أن العديد من حالات التعب الذهني لدى المصابين نفسيا خلال السنة الماضية هي رد فعل مفهوم  لسياق متعثر في الحياة اليومية، قائلة: {نحن بحاجة إلى تطبيع المشكلة باعتبارها مشكلة هيكلية؛ ولا يمكننا الاستمرار بوضع المسؤولية على الناس لتحقيق الشفاء لأنفسهم حينما تكون الظروف التي تواجههم مؤذية جدا}.