الجائحة تنقذ أرواح سكان القرن الأفريقي

بانوراما 2021/09/07
...

 ايرومو ايغبيجول
 ترجمة: بهاء سلمان
على مدى قرون، كانت نبتة القات، ذات الشجيرة المورقة التي موطنها القرن الأفريقي وأجزاء من الشرق الأوسط، كانت جزءا متجذرا من الحياة اليومية لملايين الناس؛ فهي تستخدم لاستحصال الإثارة والنشوة، ويدعي البعض بكونها تعزز النشاط. ويعد سائقو الحافلات داخل الازدحامات والأصدقاء المتواصلون اجتماعيا أيام عطلة نهاية الإسبوع والعمال في وقت الغداء، من ضمن المستخدمين المعتادين لهذا المخدر المتداول بسهولة داخل اليمن وأثيوبيا وجيبوتي والصومال وأرض الصومال، إضافة إلى أجزاء من كينيا. 
حاليا، تعمل جائحة كورونا على إعاقة استهلاك القات، الذي تصل قيمة اقتصاده الإقليمي إلى ملايين الدولارات، كما تعيد صياغة التفاعلات الحيوية 
الأسرية.
ووفرت الموانئ الجيبوتية بشكل تقليدي قناة للأسمدة التي تساعد آلاف المزارعين الإثيوبيين على زراعة مساحات ضخمة من النبات المخدّر، الذي يسمى محليا «زهرة الفردوس».
ويمضغ ما يقدر تسعين بالمئة من البالغين في أرض الصومال القات، وتشير بيانات حكومة البلاد إلى أن نحو ثلاثين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، 36 مليونا ونصف مليون دولار تقريبا، تأتي من هذا 
المخدر. 
ويقدر معهد الأبحاث الطبية الكيني أن أكثر من عشرة ملايين فرد يستهلكون القات عالميا، وأن معظم المستهلكين هم من الرجال، بينما الباعة هم من النساء، غالبا من المعيلات لأسرهن.
 
مهارة البيع
بيد أن حالة الإغلاق والقيود المفروضة على التنقّل بسبب جائحة كورونا عملت على الإضرار بشكل هائل بتجارة القات العابرة للحدود. 
بالمقابل، أدى هذا الوضع 
إلى تلقي النسوة البائعات للقات ضربة موجعة، بحسب 
«ساهره أحمد كوشين»، طالبة الدكتوراه في جامعة كوبنهاغن ببحوثها المنصبة على الشتات الصومالي، متتبعة الأحوال المعيشية لبعض من المتاجرين بالقات. 
ولم تنفع أيضا الشائعات غير المؤكدة صحتها من أن أوراق القات يمكنها حمل فيروس الكورونا بتقليل الطلب على المخدّر.
وتعدّ النسوة بائعات ممتازات للقات، لأنهن يملكن مهارات بيع فريدة من نوعها، بضمنها التسويق والصبر واستكشاف أسواق محتملة، مثل المناطق المستضيفة للاحتفالات، بحسب كوشين.
ولا تتطلب هذه التجارة براعة فنية معقدة.
تقول كوشين: «بالنسبة للكثير من النسوة، وصلت إليهن تجارة القات عبر الأجيال، من الأم إلى البنت وهكذا.
وهي تعد المصدر الرئيس لكسب المال، وهي المهارة أو التجارة الوحيدة التي يعرفنّها».
ومع هبوط الطائرات المحمّلة بشحنات القات، يعمل رجال الميليشيات في المنطقة، البعض منهم يتعاطى المخدّر نفسه، على تهريب النبات عبر الحدود البرية، فارضين على النسوة الراغبات بشرائه لأجل بيعه محليا ضرائب عالية غير رسمية، ليصعب على غالبية الناس بالتالي الحصول عليه بسبب غلاء ثمنه.
 
رب ضارة نافعة
رغم ذلك، فمع كل وضع سيئ يبقى هناك إحتمال لوجود أمر جيّد؛ فمع أكثر المتع الترفيهية المفترضة للرجال ضمن تلك المجتمعات، تأمل النساء اللاتي لا يبعن القات بامكانية تفكير أزواجهن بشيء جديد، بحسب 
ناشطين.
ويقول الخبراء إن الإدمان قد أدى بالرجال إلى إنفاق أموالهم على القات، والذي كان من الممكن توظيفه لتعليم أطفالهم، أو رفع المستوى المعاشي للأسرة.
وكانت بعض الحكومات، ومنها إرتيريا، قد حظرت استخدام القات.
ويرتبط إدمان القات أيضا بالعنف 
الأسري.
ففي سنة 2018، أبلغت إمراة، تسكن في بلدة لاسانود الواقعة شمال الصومال، محكمة المنطقة حينما سوئلت عن أسباب طلاقها بأن زوجها العامل في مجال البناء كان ينفق غالبية ما يكسبه من المال على القات، وكان معتادا على 
ضربها بحزمة من الأسلاك الكهربائية.
مع هذا، كانت الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للقات قد أدت غالبا إلى فشل إجراءات الحظر.
في سنة 1977، كان نظام رئيس جيبوتي، حسن جوليد ابتيدون، على وشك السقوط بسبب نيّته فرض حظر على القات.
وفي شهر آيار 2020، رفعت أرض الصومال الحظر على واردات القات الضخمة الذي دخل حيّز التنفيذ قبلها بثلاثة أسابيع بسبب الجائحة.
في ضوء هذا المنطلق، تعد الواردات المتقلّصة من القات، حتى بدون فرض حظر رسمي، نعمة مخفية، وفقا لما يقوله «ابوكار اوال»، الناشط المناهض للقات، والذي يدعم طلبا مقدما للحكومة الصومالية يسعى لجعل المخدر غير قانوني؛ وتمكّنت الحملة من جمع نحو أربعة آلاف توقيع بعد مرور ثلاثة أسابيع فقط من إطلاقها.
يقول أوال: «يسهم القات بانهيار الأسر داخل مجتمعنا، كما يزيد من نسب انتشار المرض والوفيات الناتجة عن إستهلاكه».
فقد توصل العلماء إلى أن إستهلاك القات يرفع من خطر النوبات القلبية وأمراض القلب.
بذلك، فلربما، ولمرة واحدة فقط، سينتهي الأمر بجائحة كورونا إلى إنقاذ حياة البشر.