مصطفى منير
تميزت العاصمة بغداد منذ أربعينيات القرن الماضي بمقاهيها الثقافية والاجتماعية، والتي ذاع صيتها لتستقبل زبائنها من شرائح مختلفة، ومنهم السياسيون والأدباء والفنانون، ومن هذه المقاهي: «حسن عجمي» و»الزهاوي» و «أم كلثوم» و«الشابندر»، إضافة إلى مقهى «البرازيلية» والذي يعج يومياً بكلا الجنسين مكوّناً محطة ومركز لقاءٍ يوميّ للكثير من مثقفي وفناني العراق، واستمرت بهذا الزهو إلى حين إغلاقها في منتصف التسعينيات، لتشهد هذه المقاهي في سنواتها الأخيرة انحساراً وتراجعاً بسبب الظروف الأمنية والأزمات التي مرّ بها العراق، إلا ان الروح عادت من جديد إلى الكثير من المقاهي البغدادية بسبب استقرار الوضع الأمني لتعود إليها الشرائح المثقفة.
المرأة العاملة
بعد أن افتتح في السنوات الأخيرة عدد من المقاهي الثقافية، برزت من خلالها ظاهرة المرأة العاملة، والتي تحوّلت إلى عنصر مهم ومؤثر في إدارة هذه المقاهي، علاء رضا علوان، صاحب مقهى رضا علوان الثقافي، قال في حديثه لـ «الصباح» : «على المجتمع أولاً أن يتقبل المرأة في كل مفاصل الحياة، فالمرأة كلّ المجتمع فهي ليست نصفه كما يقولون، هي الأم والأخت والزوجة والبنت، وليس ثمة فرق بينها وبين الرجل، فالأنثى في هذا الزمن تواجه تحديات ومصاعب كثيرة».
وأضاف علوان «لدينا امرأتان تعملان في المقهى، ولو توفرت الظروف المناسبة لاخترت عشر نساء لأنهن يعتبرن واجهة جميلة لهذه المراكز الثقافية، ولقد أقمنا العديد من الاحتفالات والمهرجانات للمرأة في أعياد الأم ويوم المرأة العالمي لتكون هذه الاحتفالات طقسا سنويا في مقهى رضا علوان الثقافي».
بيتي الثاني
تبارك صلاح (38عاماً) تتولى مهمة الإشراف على أحد المقاهي الثقافيّة، تحدثت عن أسباب عملها داخل المقهى إذ تقول: «توفي زوجي قبل خمسة أعوام ولديّ أربعة أطفال، إضافة إلى الظروف المعيشيّة الصعبة، كلها مؤشرات دفعتني صوب العمل».
وتسرد تبارك «أصبح المقهى بيتي الثاني، لأن رواده هم المثقفون والأدباء والإعلاميون، ولا تشعر المرأة بالإحراج والخجل أو الخوف وهي تتعامل مع هذه الشريحة الواعية». العاملة في أحد مقاهي الكرادة الثقافية، نسرين عامر (33 عاماً) قالت: «أمضيت أكثر من عامين في عملي كمشرفة على كادر العمل في المقهى، فبالرغم من أنني اعمل باجر متواضع، إلا إني أشعر بالسعادة اليومية وأنا بين الشخصيات المعروفة في الوسط الإعلامي والثقافي والفني».
نكهة متميزة
بينما يرى الصحفي علي النعيمي، رئيس تحرير جريدة آخر الأنباء، أن وجود المرأة في المقاهي الثقافية له نكهة متميزة فقد تحدين ظروفهن ليكونن عناصر فعالة في حضور المقاهي الثقافية اليومية، ويتابع النعيمي «بدلاً من أن تتجه المرأة إلى أمور أخرى، فقد دفعها الإصرار إلى إعالة أسرتها وكسب لقمة عيشها بالحلال».واردف علي «نحن في مجتمع شرقي يجب علينا أن نكون أذكى من غيرنا، فالأدب العربي يمتاز بتوعية المرأة، وإن الرجل والمرأة عندما يعملان ويكونان يد عون لبعضهما، فقد تحل الكثير من المشكلات المجتمعية والأسرية».
العمل والتهميش
‹›وبعضهن يعشقن العمل حتى وإن لم يكن بحاجة إلى المال، والدافع لهن هو أن يشعرن بكيانهن الإنساني وسط التهميش وظاهرة العنف الأسري››، هذا ما تحدثت عنه الصحفية هويدا الحسني، مستدركة بحديثها «لا مشكلة في وجود المرأة العاملة في المقاهي الثقافية، لكن حين نرتادها نرى شرائح مختلفة من المجتمع، وليس الجميع مكتملي النضج والثقافة لذا تتعرض للمضايقات حتى تصل إلى التحرش، لذلك يجب أن تبقى شخصية المرأة قوية وأن تضع بعض الحدود في إطار
عملها».
أما الإعلامي نعيم البديري، المدير العام لوكالة الراصد نيوز، فقال: «المقاهي الثقافية تختلف عن (الكوفيات)، فالأولى يتواجد فيها الكتاب والأدباء والمثقفون ويتعاملون مع المرأة بصورة طبيعية»، ويكمل حديثه بالقول: «يجب على المجتمع أن يكون منصفاً في تعامله مع النساء العاملات، فضلاً عن إقامة جلسات تثقيفية لتمكين وتنمية المرأة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني».
المهمة الرئيسة
أقدم عامل خدمة في مقهى رضا علوان، علي محمود (26 عاماً)، تحدّث لـ «الصباح» قائلا «مهمة العاملات الرئيسة هي ليست الخدمة وتلبية طلبات الزبائن، بل الإشراف على المقهى ومراقبة احتياجات الزبائن لا سيّما عند النساء». ومن جانبه يرى العامل محمد الشامي (29 عاماً)، في مقهى (كهوة وكتاب) «ليس من الغريب أن تعمل المرأة في مقهى ثقافي أو عام وحتى المقاهي التي يرتادها الشباب، واستذكر الشامي «عندما كنت في سوريا، كانت هناك نسبة كبيرة من النساء اللواتي يعملن في المقاهي كالذي عملت فيه قبل أعوام يوجد فيه ست نساء يعملن ولا يواجهن أي صعوبة أو مشكلات».
واختتم حديثه بالقول: «برأيي إن كان عمل المرأة في المقاهي العراقية هو عمل إشراف او إدارة فلا توجد مشكلة، بينما اذ كان تقديم طلبات للزبائن فالأفضل أن تكون هذه المهمة تحت أيادي الرجال».