حينما حاول البلاشفة توسيع جمهوريتهم العملاقة

بانوراما 2021/09/11
...

  بوريس ايغوروف
  ترجمة: بهاء سلمان
كانت 29 سفينة للإسطول (الأبيض) قادرة على خلق مشاكل كبيرة لخطوط الاتصال السوفيتية في بحر قزوين، فقررت القيادة البلشفية الاستيلاء عليها بأسرع وقت ممكن. 
بينما كانت الحرب الأهلية لا تزال مستعرة داخل روسيا، كانت القيادة السوفيتية تفكر مسبقا بكيفية إشعال لهب ثورة اشتركية في قارة آسيا. وعلى نحو غير متوقع، نزل بحارة سوفيت عند ميناء أنزلي الإيراني في 18 آيار 1920. كان هدفهم هو الاستيلاء على إسطول أعدائهم الرئيسيين في الحرب الأهلية، البيلاروس، الذي كان متمركزا هناك. وكما ظهر لاحقا، كانت هذه فقط المرحلة الأولى من حملة لتأسيس نظام شيوعي داخل إيران.
كان أسطول بحر قزوين لروسيا البيضاء قد أضطر للانسحاب باتجاه إيران بحلول ربيع 1920 عندما وجدت قواتها الرئيسية بين خياري الانسحاق أو التراجع إلى شبه جزيرة القرم. في ميناء إنزلي، كانت سفنهم تحت حماية البريطانيين، الذين كانوا معادين للبلاشفة، ومبقين على قواتهم في إيران منذ الحرب العالمية الأولى.
كانت 29 سفينة للاسطول (الأبيض) قادرة على خلق مشاكل كبيرة لخطوط الاتصال السوفيتية في بحر قزوين، فقررت القيادة البلشفية الاستيلاء عليها بأسرع وقت ممكن. وبهدف تجنّب فضيحة دبلوماسية، تستر البلاشفة على العملية من خلال اعتبارها مبادرة شخصية من قبل قائد أسطول بحر قزوين ونهر الفولغا، {فيدور راسكولنيكوف}.
ومع فجر 18 آيار، فتح الأسطول السوفيتي، بعدما وصل متخفيا، النار على الميناء، ضاربا السفن البيلاروسية التي تفاجأت تماما بالهجوم، وحلّت الفوضى بين صفوف القيادة البريطانية، ولم ترد مدفعيتهم مطلقا على النيران. ثم توصل الطرفان إلى هدنة، غادر بموجبها البيلاروس والبريطانيون المدينة، تاركين للبلاشفة كل شيء، من السفن وقطع المدفعية والذخائر، وكميات كبيرة من القطن وقضبان السكك الحديدية والنحاس ومعدات أخرى.
 
توظيف المعارضة
لم تبد قوات شاه إيران {سلطان أحمد} أية مقاومة للبحارة السوفيت، حيث كانت البلاد ضعيفة لكونها شبه مستعمرة للقوى الأوروبية خلال تلك السنوات، فاكتفى الشاه بإرسال احتجاج. إعتزمت القوات السوفيتية الإنسحاب من إيران خلال فترة قصيرة، لكن الوضع تغيّر بشكل جذري، فمع الاستفادة من الهجوم السوفيتي على البريطانيين، شنت {حركة الغابة} المعارضة لحكومة الشاه هجوما هائلا شمال البلاد، وطلب قائدها، {كوتشاك خان}، الدعم من البلاشفة، لكنه اشترط على موسكو عدم التدخل بالشؤون الداخلية لإيران.
فكرّت القيادة السوفيتية باحتمالات ثورة إشتراكية في آسيا. فوضع {سيرغو اوردزهونيكيدز}، رئيس مكتب القوقاز للقيادة الروسية ورقة النقاش التالية: {بلا صعوبات محددة، يمكننا تفجير الأوضاع داخل أذربيجان الفارسية؟ وجهة نظري هي: بمساعدة من كوتشاك خان وأنصارنا الأذريين، يمكن الإستيلاء على المدن واحدة تلو الأخرى وإخراج البريطانيين، وهذا سيترك انطباعا هائلا في جميع أرجاء الشرق الأدنى}.
ورغم استمرار الحرب الأهلية في روسيا، بقي البلاشفة على قرارهم تجاه إيران. ووعدوا كوتشاك خان بالسلاح والمال والمتطوّعين والأدلاء والطائرات والعربات المصفحة. وصدرت أوامر بتحريض سوفيتي واسع النطاق يتم تنظيمه داخل البلاد بشكل سري.
وبسعيها مجددا لتجنّب ضجة دبلوماسية، لم تتحرك موسكو مباشرة، بل من خلال حلفائها، وكانت في هذه الحالة {جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفيتية}، التي كانت قد أسست حديثا. بالنسبة لباكو، كانت مساعدة ثورة إيرانية يمثل لها أهمية كبرى، فحلمها كان اعادة الاتحاد مع أذربيجان الإيرانية.
 
خطط توسعية
رسميا، كانت القوات الروسية تنسحب من انزلي، وفي الواقع، كان العكس يحصل: تدفق متواصل للجنود والسلاح عبر الحدود الأذربيجانية باتجاه شمال إيران. وبحلول الرابع من حزيران، وبمعونة من حلفائه الجدد، تمكن كوتشاك خان من الاستيلاء على مدينة رشت عاصمة محافظة كيلان. وفي اليوم التالي، أعلنت جمهورية كيلان السوفيتية الاشتراكية شمالي إيران، بزعامة كوتشاك خان. ورغم شرط عدم التدخّل في الشؤون الداخلية لإيران، ضمّت {الحكومة الثورية المؤقتة} عدة ممثلين عن السوفيت ممن تبنوا الجنسية الإيرانية.
وتم تشكيل {الجيش الإيراني الأحمر} بقوام بلغ خمسة آلاف رجل، من سرايا {المتطوّعين} القادمين من باكو واستراخان، إضافة إلى الانصار المحليين. في البدء، كان القائد هو {إحسان الله خان}، رفيق كوتشاك، لكن سرعان ما فرضت موسكو رجلها {فاسيلي كارغاريتلي} كقائد عام على الجيش.
تدهورت العلاقات بين حركة الغابة والشيوعيين الإيرانيين بسرعة، فبينما كان الطرف الأخير مقتنعا بضرورة نقل الثورة إلى آسيا، تردد كوتشاك بالعمل وقنع بما تحقق له مسبقا، وهو السيطرة على كيلان؛ كما أخفق الطرفان في الوصول إلى أرضية مشتركة بموقفهما من الملكية الفردية.
بالنتيجة، طرد كوتشاك من قبل الشيوعيين الإيرانيين يوم 31 تموز، وهرب إلى بلدة فومان، مع مؤيديه، ليتولى رفيقه السابق في السلاح احسان الله موقع قيادة الحكومة المؤقتة الجديدة. ووصف {غريغوري تشيتشيرن}، مفوّض الشؤون الخارجية السوفيتية كوتشاك بأنه فشل باستيعاب السياسات الثورية السوفيتية لحذره المفرط؛ وعدم قدرته على التعامل مع المخاطر.
فشل ذريع
واغتنمت حكومة كيلان الوقت بسرعة لتشن هجوما ضد حكومة الشاه أواسط شهر آب 1920، وانتهى بهزيمة فادحة، وتم إنقاذ قوات الشمال الحمراء من كارثة شاملة بإرسال قوات من أذربيجان وروسيا. لكن حكومة كيلان أهملت خصوصية الشؤون الداخلية للبلاد، فأخفقت في تفعيل اصلاحات مستعجلة، لإهمالها مراعاة التقاليد المحلية، فأثارت غضب الأهالي. وصب البريطانيون وحكومة الشاه سلطان أحمد الزيت على النار بشنهم برنامج دعاية ضخما مضادا للسوفيت في المنطقة.
تضاءلت فرص ضم إيران إلى السوفيت. ولأجل التحرّي عن مجريات الأحداث، وصل عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي جوزيف ستالين إلى باكو، وسرعان ما أرسل تقريرا قاتما إلى لينين في موسكو، أشار فيه إلى إمكانية حصول ثورة برجوازية فقط داخل إيران، وبدعم من الطبقات الوسطى. 
بدأت روسيا التفاوض مع حكومة سلطان أحمد أواخر أيلول، لتنتهي في 26 شباط 1921 بتوقيع اتفاقية صداقة ايرانية سوفيتية. وسحبت موسكو وباكو دعمهما لحكومة كيلان، وشرعتا بسحب جنودهما، لكن ليس قبل بدء بريطانيا بإجلاء قواتها من البلاد بحلول آيار من ذلك العام. وفي تموز 1921، شن شيوعيو كيلان هجوما ثانيا، وانتهى مجددا بالهزيمة. وسحقت قوات الشاه سلطان أحمد الجمهورية، وهرب احسان الله إلى باكو، كما تم أيضا سحق قوات حركة الغابة، وعرض كوتشاك خان على الملأ في مدينة رشت. 
 
موقع راشيا بياند الروسي