بغداد: نوارة محمد
تذوق المقطوعات وعزف بين الطرقات، وواجه الموت وحارب الخوف بالموسيقى والأغنيات، بالآلات اعتاد أن يصارع الحياة، وبأصابع متفردة تعود أن يعزف، ليرمم الهياكل الخربة، ويرثي ضحايا الموت والأقدار، ويعالج الأرواح المتعبة، اذ لا مفر، ولا مهرب من ضجيج الحياة سوى بين الموسيقى والأغنيات.
في حديث لـ {الصباح} عبر لنا كنعان العازف والملحن الذي بدأ مشواره بقيادة الفرقة السيمفونية القومية العراقية عام 2007 عن شغفه بالموسيقى وحبه الدائم لها، مبيناً {لم أكن لأتخيل حياتي من دون موسيقى، فارتباطي بالفن ارتباط كوني ومستمر، لا نهاية له، ولو لم أكن عازفاً لكنت قائدا لفرقة الاوركسترا، انا لا أجدني أنتمي لغير ذلك}.
كريم كنعان من مواليد العام 1972 حصل على بكالوريوس في الفيزياء والفلسفة من جامعة القاهرة، وماجستير في تكنولوجيا الموسيقى، يُكمل حديثه عن بداياته مؤكدا ان لوالده الفنان الراحل كنعان وصفي الأثر الكبير في تكوينه وصقله أدبياً وفنياً.
مضيفا {حين كنت في أولى سنواتي، كنا في أوروبا، وبدأت استمتع بالموسيقى وأتجرد من كل الأحلام عداها، وكبرت على يدي والدي الذي وضعني أمام تحديات كبرى، وصقل موهبتي واختارني لأكون فناناً فوجدت نفسي مستمعاً من الطراز الأول وعازفاً
صغيراً}.
بعد عودته الى العراق، قاد كريم كنعان وصفي الفرقة السيمفونية القومية التي أضافت له وأضاف لها، مستذكرا {تجربتي مع الفرقة ثرية جداً، وتطويرية وانسانية وثورية في الوقت ذاته، كنت وما زلت شديد الحرص على نشر ثقافة الموسيقى كي تعلو على صوت المدافع والبنادق، أما الآن فأنا مؤسس الفرقة الموسيقية الخامسة التي تحظى بتفاعل جماهيري رائع، إنه المشروع الذي لطالما عملت على إكماله بجهود شخصية، و لا علاقة لجهاتٍ معينة في تمويله}.
عدا هذا، لكنعان بصمته المتفردة وعلامته الفارقة في ممارسة فنه، لم يعزف في المسارح ودور الموسيقى فقط، بل اختار الهياكل الخربة مسرحاً له، فبين موت وآخر نراه يعزف، في الحرائق والانفجارات، في النكبات والحروب والصراعات، بملامح حزينة وأصابع غير مترددة، اذ يقول: {أنا بعد كل نكبة أقف بصلابة، وإن كنت مكسوراً، لأحيي حفلة وسط جمهور بائس وحزين، هي رسالة واضحة بأن الجمال سينتصر على حتمية الموت والقبح، الموسيقى صوت كوني و نحن رسل إيصال اللغة الكونية للتواصل مع النفس بلغة أركانها مفاهيم ارتباط الكون بالخليقة والخلق}.
الحديث مع كنعان عن الموسيقى يمكن أن ينتهي لكن صدى صوت ألحانه سيظل عالقا في مسامع الناجين من الحروب التي رافقت احلامنا منذ عقود من الحزن.