د. أحمد الحسيني
مع دخول العالم العام الثاني لأزمة COVID - 19 تتزايد المخاوف بشأن الأداء الاقتصادي للبلدان الناشئة، والعراق واحد من تلك الدول التي تأثرت بشكل مباشر من الجائحة سواء على الصعيد الجزئي او الكلي.
الى الآن استطاع العراق الصمود اقتصاديا من خلال حزم الاجراءات التي اتخذتها كل من وزارة المالية والبنك المركزي متمثلة بتغيير سياسة سعر الصرف لتغطية العجز المالي في موازنة عام 2021، وجاءت تلك السياسات كجزء من تطبيق (الورقة البيضاء) التي تبنت الحكومة العراقية بقيادة السيد الكاظمي تطبيقها لتحسين واقع الاداء الاقتصادي وتقليل منافذ الفساد المالي والاداري، ولكن ما يزال الطريق طويلا لتحقيق معدلات النمو الاقتصادي المستهدفة في الورقة البيضاء خصوصا للسنوات الخمس المقبلة، وذلك لعدة أسباب أهمها ما يزال الاقتصاد العراقي يعتمد وبنسبة تربو على 93 % من ايرادته المالية على انتاج وبيع النفط الخام؛ مما يضفي صبغة الريعية على الاقتصاد العراقي الذي كان ومازال كذلك. ومن الأسباب الأخرى خمول القطاع المصرفي بشقيه العام والخاص، مما يعطي انطباعا سلبيا للاعتماد عليه في تمويل المشاريع والانشطة الاقتصادية، ومع تنامي دور سوق العراق للاوراق المالية في تشجيع الاستثمار غير المباشر إلّا أن دوره بحاجة الى جهد تطويري، وتأخر تنفيذ العديد من المشاريع المعلقة منذ سنوات سابقة بالرغم من وجود حراك حكومي لالغاء الاجازات الاستثمارية التي لم ينجز فيها مايزيد عن 30 بالمئة. كما أن عدم حصول العراق على تصنيف ائتماني متقدم مما يضع العراقيل امام الاستدانة الاجنبية لتمويل المشاريع المزمع تنفيذها، وأخص بالذكر مشروع مدينة الرفيل المزمع انشاؤها، فضلا عن ضعف الوعي المجتمعي وانتشار ظاهرة الاكتناز بدلا من توجيه المدخرات الأسرية نحو الجهاز المصرفي.
إن وجود مشكلات أمنية، يعمل على تعطيل عجلة التقدم والنمو الاقتصادي، إذ لا يزال العراق بحاجة الى المزيد من الاستقرار الامني بحسب التقارير الدولية، وهذا ينعكس على بيئته الاستثمارية.
هذه الأسباب وغيرها من الأسباب التي تجعل الطريق طويلا نحو تعافي هذا الاقتصاد المتهالك، وبهذا الصدد وبعد تشخيص المشكلة من وجهة نظرنا نعتقد ان الحل يكمن في تنفيذ خطة اقتصادية سريعة وعلى الامد القصير، والتي تتطلب الاسراع في تنفيذ اصلاحات سوقية بما في ذلك على مستوى الشركات المملوكة للدولة، -على غرار تجارب الصين والهند والمكسيك-، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي على غرار تجارب دول مثل تشيلي والصين على سبيل المثال، فضلا عن الاسراع في سد فجوات البنى التحتية ويمكن الاستفادة من تجارب دول مثل اندونيسيا والفلبين.
ويتطلب الاصلاح الآني تعديل نظم المعاشات والتقاعد واسواق المنتجات واسواق العمل، ووضع خطة متكاملة لتفعيل مشروع الحوكمة، وبناء علاقات خارجية متوازنة مع الدول الاقليمية، والافادة من علاقات العراق مع المؤسسات الدولية وخصوصا الانمائية منها مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وفتح آفاق التشاور في مجال السياسات الاقتصادية الكلية.