المناخ ومستقبل النفط

اقتصادية 2021/09/15
...

د. مصطفى كامل رشيد
 
يصارع العالم عبء انبعاث غازات الاحتباس الحراري التي اخذت تهدد الكوكب بالدمار وصعوبة العيش، اذ ما استمر الوضع على ماهو عليه، مع انتشار معدلات الفقر وانعدام الامن الغذائي والنزوح الناجم من الاضطرابات المناخية حول العالم، استهدف اتفاق باريس سعي البلدان المتقدمة خصوصا وبلدان العالم عموما الى اتباع آليات وسياسات محفزة للبيئة الخضراء، تدعم توجهاتها الى خفض غازات الاحتباس الحراري.
كان يتطلع العالم الى خطوات جادة وحاسمة بشأن تخفيض الصناعات الملوثة للبيئة مطلع عام 2021، ولكن جائحة كورونا بددت ذلك التطلع في ظل أزمة صحية وانغلاق اغلب الأسواق حول العالم، وتقييد حركة التجارة ومن ثم النشاط الصناعي. وهو ما يدعو الى خفض الانبعاثات بنسبة (1 %) فقط مع حلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2010.
كما يظهر تقرير صادر من الأمم المتحدة بشأن المناخ ان الحكومات ليست قريبة من مستوى الطموح المطلوب للحد من تغير المناخ الى (1.5) درجة مئوية وتحقيق اهداف باريس، وهو ما يعني تخفيض الانبعاثات العالمية بنسبة (45 %) بحلول عام 2030.
إن ستراتيجيات البلدان المتقدمة والناشئة على حد سواء والمعنية بالتلوث البيئي بشكل كبير تتضمن حظر استخدام مصادر الطاقة الناضبة غير النظيفة وفي مقدمتها النفط الخام، مما حدا بتلك البلدان انتهاج أسس جديدة في تطوير تقنيات بديلة عن استخدام النفط الخام لتوليد الطاقة، أي الانتقال تدريجيا الى مصادر الطاقة المتجددة واعتمادها في توليد الطاقة بمختلف مجالاتها، وقد اتخذت العديد من الحكومات حول العالم تدابير وقائية تتضمن إجبار المتعاملين في الأسواق والصناعات المختلفة بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والتخلص تباعا في مراحل الإنتاج من استخدام النفط الخام.
إن العالم يشهد خطوات جادة وان كانت غير واضحة تماما في التحول من المصادر الناضبة الى المصادر غير الناضبة والنظيفة، ولكنها بالتأكيد تدق ناقوس الخطر في مستقبل البلدان النفطية التي تعتمد بشكل أساس على الإيرادات النفطية في تمويل عجلة الاقتصاد المحلي.
يعتمد العراق بوصفه احد البلدان النفطية على عوائد النفط الخام في تمويل الأنشطة الاقتصادية ولم يتخذ الى الان اية خطوات جادة بشأن التحوط من حظر استخدام النفط الخام دوليا، فمازال يهدر الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية وغاز الايثانول المتولد من الموارد الطبيعية الغنية في العراق وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة، ولم يطوع أي نشاط اقتصادي باتجاه الإنتاج الأخضر، ولم يتبنَ رؤى طويلة الاجل يجعل الاقتصاد المحلي يستقل على النفط الخام باتجاه التنويع الاقتصادي، في ظل اتساع ظاهرة التصحر وارتفاع ملوحة التربة وضعف في امدادات المياه من البلدان المتشاطئة مع العراق.
مما ينذر بكارثة اقتصادية جديدة بحلول عام 2030 وهو الوقت الذي اتفقت فيه اغلب البلدان الصناعية بمختلف مستوياتها حول العالم بضرورة حظر استخدام النفط الخام، وان لم تصل الى ذلك الهدف فإنها على الأقل سوف تقلل مستوى استهلاكها للنفط الخام لمستويات منخفضة جدا، وهو ما سوف يضر بالبلدان الريعية النفطية وخصوصا العراق.