رضا المحمداوي
يتبدّى الكسل والخمول في الإخراج التلفزيوني اكثر ما يتبدّى ويظهرُ واضحاً ومتجسِّداً في البرامج الحوارية، وخاصة تلك التي تستضيف شخصيات لها تاريخها وسجلها المهني في عوالم الثقافة والفن والأدب والصحافة والإعلام، اذ يكون الضيف وحياته الشخصية ومسيرته الفنية وإنجازاته، هي محور الحلقة والعمود الفقري الذي تستند إليه.
والفقرة الأخيرة تتعلّق باسلوب الإعداد الذي غالباً ما يكون في هذه البرامج إعداداً متعجلاً ومربكاً ولا ينطوي على جهد معرفي أو ثقافي في اختيار اسم الضيف، والإحاطة بتجربته الشخصية والمهنية عبر مراحل حياتهِ وعملهِ وما يصيبها ويطرأ عليها من تحولات وتغييرات، الأمر الذي سيؤثر بدورهِ في صيغة وإدارة الحوار التلفزيوني اذ يكون – نتيجةً لسوء الإعداد والجهل بمفرداته التلفزيونية- حواراً بارداً ومفككاً ويفتقد الحيوية والأساليب التي من شأنها إضاءة حياة الضيف والكشف عن أسرارهِ
وخباياه الحياتية والمهنية.
وسيظهرُ الجمود والتحجَّر الفني على صعيد الإخراج إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن المادة التلفزيونية قد تمَّ تصويرها في الاستوديو أو في مكان خارجي
(location) بديل عنه، وحينذاك سيقوم المخرج بتوزيع كاميراتهِ الثلاث على النحو التالي: واحدة الى اللقطة العامة (التأسيسية) وكاميرا ثانية لمقدم البرنامج، والثالثة للضيف، وستبقى هذه الكاميرات ومكان التصوير والمقدّم والضيف في ثبات دائم.
والسؤال هنا: أينَ يمكنُ أن يتحرَّك المخرج؟، إنَّ المجال الحيوي الوحيد الذي يتوجّبُ على المخرج التحرك فيه يكمنُ في المعالجة الإخراجية الفنية المتحركة والحيوية للبرنامج بحلقاتهِ المتعددة ووضع ( script) خاص لكل حلقة من حلقات برنامجه، لا سيمّا إذا تذكرنا أنَّ البرنامج وبفعل ضغط فواصل الإعلان التجاري باتَ يُقسَّمُ إلى ثلاثة أجزاء (بارتات)، يستغرق عرضها ساعة تلفزيونية كاملة ويفصل بين جزء (Part ) وجزء آخر(ربع ساعة لكل منهما) فاصل إعلاني قصير حيث إعلانات المشروبات الغازية وحفاظات الأطفال ومستحضرات التجميل وغيرها، ومن ثم العودة إلى البرنامج، وهنا في هذا المفصل المهّم بالذات سيظهر التفاوت والاختلاف في الإيقاع واضحاً بين لقطات الإعلانات القصيرة والموسيقى الراقصة والإيقاع السريع، وبين العودة إلى البرنامج والإحساس بالإيقاع الثقيل الذي هيمن على البرنامج المترهل.
ومن دون وضع معالجة إخراجية حيوية ومتحركة وتغذيتها ومؤازرتها بالمعادل الصوري من الأرشيف التلفزيوني ومقاطع الفيديو واللقطات والصور الفوتوغرافية والفواصل الفنية التلفزيونية وحتى (الكارتات) المكتوبة المناسبة، وبثها بين ثنايا البرنامج ومحاولة كسر الإيقاع الثقيل بأيِّ وسيلة أو طريقة كانت.
بدون هذه المعالجة واعتماد الـ (script )الخاص لكل حلقة، فإن عملية الإخراج التلفزيوني سوف تفقد عنوانها ومقوماتها وتسميتها الفنية، لتتحوَّل إلى عملية (تنفيذ) ميكانيكي أقرب إلى الآلية التي يغلب عليها الجمود.