حسن العاني
في حياة كل واحد منا، ثمة شخوص متميزون، نعرف بعضهم في المحلة او المقهى او الحياة العامة، وتربطنا ببعضهم الآخر علاقات صداقة، والتميز الذي اعنيه هنا يرتبط بالجانب السلوكي أي ان تصرفاتهم غريبة الى حد ما!.
حميد اللامي، واحد من هؤلاء الشخوص وهو صديق قديم انهى دراسته الجامعية في أواخر العقد الستيني من القرن الماضي، وعمل في سلك التدريس وكان الرجل على قدر عال من الثقافة وقارئاً جيداً ومتابعاً حريصاً لكل جديد في ميادين العلوم والادب والفكر والسياسة، ولكنه مولع الى حد الهوس بإثارة الأسئلة الكثيرة التي يختلط فيها الجد بالمزاح ومشاكس يحب مناكدة الآخر في أية قضية ومستعد للدفاع عن الشيء وضده بالحماسة نفسها، وكل ما يعنيه بالنتيجة هو أن يضحك ويشيع من حوله جواً عابقاً بالمرح، ومع ذلك لا تصح الاستهانة بحواراته ومداخلاته واسئلته، لان الرجل بحق يقف على كنز من المعرفة والمعلومات.
قبل أيام كنا نتحاور في الأسباب التي أدت الى حصول اخفاقات هنا او هناك واتفقنا بما يشبه الاجماع على أن وصول عناصر غير كفوءة الى مواقع المسؤولية قد أدى الى ما أدى اليه، ولكن اللامي هو الوحيد الذي خرج على الاجماع وقال (هذا غير صحيح، لان من يتحمل الاخفاق هم العناصر الكفوءة في مواقع المسؤولية لأنها لم تأخذ دورها ورفعت الراية البيضاء ومنطق الأشياء يقول: ارشدوا الجاهل وحاسبوا العالم) وقد اثار برأيه الغريب هذا زوبعة محتدمة من النقاش، حتى ان بعضنا غير موقفه والقى باللائمة كلها على المخلصين.
في اليوم الثاني تجدد الحوار حول الموضوع نفسه، وخرجنا بما يشبه الاجماع ان أصحاب الكفاءات هم من يقفون وراء الاخفاقات ولكن اللامي اعترض بشدة وقال : (انتم تفكرون بطريقة النعامة، فتنسون ان القرار لا يمتلكه أصحاب الكفاءات ولا لوم على من لا يمتلك القرار) واثار من جديد زوبعة من النقاش!.
من طريف ما اذكره عن هذا الصديق الممتع ان حديثاً كان يدور بيننا حول قصة النبي يوسف (ع) وفجأة قطع الحديث علينا بسؤال غريب (هل الذئب الذي اكل يوسف، انثى ام ذكر؟) وضحكنا من سؤاله وقلنا له (ان الذئب لم يأكل
يوسف) ولكنه عاد ليسأل (الذئب الذي لم يأكل يوسف هل هو ذكر ام انثى ؟!) الحقيقة لم نستطع التوصل الى إجابة
مقنعة!.