مربو الجاموس.. غلاء الأعلاف وضعف المردود المادي

ريبورتاج 2021/09/15
...

  نافع الناجي
يبذل مربو الماشية بشكل عام، والابقار والجاموس على وجه الخصوص، جهوداً كبيرة للاستمرار في مهنتهم الشاقة التي توفر للمستهلكين شتى اصناف الحليب ومشتقاته، ولجملة أسباب باتت الضغوط عليهم كبيرة للغاية لترك المهنة والبحث عن عمل آخر، فحرارة الجو صيفاً والجفاف الذي تعانيه المناطق الوسطى والجنوبية من البلاد وقلة الامطار شتاء، جعلت هؤلاء المربين عرضة للترحال من منطقة الى أخرى لتوفير الاعلاف الكافية والملاذات المائية لقطعانهم التي اعتادت أن تلتجئ لضفاف الانهار او تعيش قرب الاهوار، التي ضربها الجفاف هي الأخرى، فضلا عن ارتفاع كلف تربية المواشي من اعلاف ولقاحات بيطرية ويتزامن معها ضعف المردود المادي. 
 
في منطقة «الدبات» انطلقنا في جولتنا والتقينا مع حسين دلّي، أحد مربي الجاموس وكانت الغصة لا تفارقه لما آل اليه حال قطيعه من الجاموس الذي بات يتآكل ويأكل نفسه بنفسه، اذ قال «صرنا نبيع منه كي نجلب اعلافاً وتداوياً للباقي»، مؤكدا صعوبة استمراره هو وغيره من المربين بهذه المهنة لأسباب يلخص بعضها بغلاء الاعلاف وشح المردود المادي الذي لا يغطي احيانا تكاليف التربية، فضلا عن الجهد الكبير الذي يجب أن تبذله الاسرة المربية كلها في هذه المهنة، والمعاناة الاخرى من الامراض التي تنتشر بين الحين والاخر في قطعان الجاموس، كل ذلك دفع الشباب الى البحث عن وسيلة اخرى للعيش بعد ما آل اليه حالهم.
ويشير حسين بمرارة الى أن «هذا الحلال ليس ملكا لنا، بل هو ملك لكل الشعب بلحومه ومنتجاته، اما نحن فمجرد رعاة ومربين فقط»، ويسترسل «العمل في هذا المجال متعب ويحتاج الى اسرة وتكاتف، ونحن نتمنى من الحكومة واي مسؤول او اية جهة اعلامية أن تزورنا كي نشكو حالنا».
 
غياب الدعم
وتداخل معه، احد المربين الحاضرين شاكيا من اهمال الدولة لهم والغلاء المطرد للاعلاف، اذ قال «أوجه معاناتنا كثيرة، واهمها عدم دعم الدولة لنا، فالأعلاف غالية جداً، فعلى سبيل المثال نحن نشتري الطن الواحد من العلف (البوه) بـ (500) الف اي نصف مليون دينار، وهذا الطن يكفي ليومين أو ثلاثة فقط، يعني اننا نحتاج الى ما لا يقل عن (10) ملايين دينار في الشهر الواحد، علما ان هذه الكمية هي لسد رمق الحيوانات وليس لاشباعها تماماً»، ولدى سؤالهم عن الجهات التي تزودهم بالأعلاف، ذكروا، ان «الدولة لا تزودنا بل نشتري من الاهالي ومن أماكن بعيدة، فعادة ما نشتري من غماس او عفك واحيانا اخرى نتجه الى الناصرية، وهذا ما يضيف على اسعار الاعلاف اجورا اخرى».
وحول عدم حصولهم على سلف او قروض لتربية العجول وتسمينها وغير ذلك من أبواب الدعم الحكومي، أجمع المربون الذين التقيناهم في الدبات بالقول «راجعنا وقدمنا طلبات كثيرة، لكن لم نحصل على اية نتيجة».
دعم مديريات الزراعة
استوقفنا هذا الموضوع، فكانت وجهتنا نحو المسؤولين، فالتقينا المهندس الزراعي راضي فخري، الذي قال: ان «مديريات الزراعة تدعم مربي الجاموس من خلال عدة محاور من بينها إقراضهم ضمن المبادرة الزراعية للحكومة بمبلغ 14 مليون دينار بدون فوائد على أن يقوم المربي بتربية عشرة ذكور بعمر (4 - 6) اشهر وأن يسدد القرض بعد عام ويمكن تكرار ذلك اربع
مرات». لكن فيما بعد، علمنا أن للتسليف شروطاً لا تتوافر عند اغلب المربين ومنها، أن تكون الارض ملكا لمقدم الطلب او متعاقدا عليها.
وكشف المهندس فخري، عن دعم آخر من مديرية الزراعة يتمثل بتوزيع الاعلاف من مادتي النخالة والشعير، فضلاً عن التمر، وبأسعار مدعومة، لكن المربين يقولون ان طناً واحداً من النخالة لا يغني من جوع ولا يسد رمقاً!.
 
أمراض وتطعيمات
من المشكلات الأخرى التي يعاني منها مربو الجاموس والابقار، هي الصعوبة في علاج بعض الامراض التي تصيب (الحلال) بين الحين والاخر، ومن هذه الامراض كما عددها احد المربين (ابو لسين، وابو ظليف، وحنيجيرة، والهودلي.. وغيرها)، سألناهم ان كانت هناك زيارات يقوم بها المستشفى البيطري لهم، فقال علي مرزوق «جماعة البيطرة لا يأتون بشكل دوري كما تتوقعون بل نقوم نحن على حسابنا الخاص بجلب الطبيب البيطري لمعالجة الحالات التي تصيب
الحلال». 
مضيفاً «هي امراض معدية للحيوانات وقد تميت قطيعا كاملا، اذا لم تعالج بسرعة، واذا اصيبت احدى الجاموسات، يجب علاجها والا فانها ستموت وقد ينتقل المرض الى الاخريات ويهلك القطيع».لكن مربين آخرين، ايدوا تعاون (البيطرة) وأشادوا به في ظل الظروف الحالية للبلد وان حملات التطعيم لقطعانهم تتم
بالمجان.من جهته كشف الطبيب البيطري، حسن عبود الشمري عن أن الجولات الدورية للتلقيح، تتضمن التطعيم ضد مرض البرزولا وطاعون المجترات للأغنام والماعز والحمى القلاعية للأبقار والجاموس وايضا هناك لقاحات مجانية يمكن مراجعة المستوصفات البيطرية للحصول عليها وهي الـ (HS) و(البلاك ليك) وهي عفونة الدم النزفية والعفونة العرضية وغيرها.
أما الطبيبة البيطرية ثناء شهيد فأوضحت «مع ان مربي الجاموس مشمولون بحملات التلقيح الدورية والاعتيادية بجداولها، الا انهم يشكون من قلة الاهتمام بالنسبة للجانب البيطري ونحن حقيقة نتمنى أن تكون هناك فرق جوالة ومتحركة تستكشف الوضع الصحي للجاموس».
 
مردود هزيل
لدى سؤال المربين، ان كان مردود قطعانهم مجدياً مع غلاء الاسعار بعد رفع سعر الصرف، فقال احدهم «لو جمعت المصروفات من الاعلاف الى التلقيحات الى الثلج الى تعب وارهاق الاسرة كلها، فانها احيانا تفوق المردود الذي تتحدثون عنه، اذ ان الكيلوغرام الواحد من القيمر لا يباع بأكثر من (14) الف دينار، خاصة في الصيف وفي احيان كثيرة نضطر الى بيعه باقل من ذلك، كونه لا يتحمل الخزن اكثر من يومين والا فانه سوف (يحمض) ويكون عديم
الفائدة». وشكا مربون آخرون من عدم وجود جدوى اقتصادية من هذه المهنة، فاكد احد محدثينا «ان كيلو القيمر الواحد يحتاج الى 10 كيلوغرامات من الحليب وهذا يعتمد على دسومة الحليب ونوعية العلف الذي تتناوله (الدابة) او الجاموسة وايضا اذا كان الحليب (براسه) اي من غير خلطه بالماء، وممكن أن تصل كمية الحليب اللازمة لصناعة كيلو القيمر الى15 كيلو
غراماً».
 
ضوابط مصانع الألبان
حينما سألت بعض المربين: لماذا لا تسوقون منتجاتكم الى معامل الألبان الحكومية في ابي غريب والديوانية؟ دهشت ان تلك المصانع ترفض استقبال الحليب لأسباب
عديدة.
فتوجهنا الى احداها وطرحنا السؤال على المهندس عباس حسين عبد مدير المصنع، الذي تحدث لنا عن وجود ضوابط لاستلام الحليب، ومنها نوعية الحليب ونسبة الدهن فيه والعد البكتيري، فضلا عن ان الاسعار التي يطرحها المصنع قد لا تلائم السعر المفترض للمجهز، علما ان اكثر نوعيات الحليب هي نوعيات رديئة (الكلام للمهندس عباس) اعتمادا على سلالات قديمة من الجاموس والابقار، كما لا يخفى ان طرق الحلب لدى المربين قديمة او بدائية مع عدم توفر ظروف التعقيم لدى المربي سواء للأواني او لضرع الجاموسة او البقرة وهو ما يؤدي الى زيادة العد البكتيري في
الحليب.
وعن امكانية استلام الحليب يقول «لدينا مراكز لاستلام الحليب في الديوانية والحلة وعلى المجهز التوجه الى اي من هذه المراكز التي تستلم على وفق ضوابطنا وكذلك يمكن للمجهز أن يسلم الحليب بشكل مباشر لمركز الاستلام في المصنع بشرط توافقه مع الضوابط فما توافق معها نستلمه والا نعتذر عن الاستلام خلافا
للضوابط».
 
ختام أبيض
تلك الطبقات البيضاء الشهية المرصوصة بإتقان في اناء عريض نراها في صباح كل يوم عند الباعة؛ سواء كان البائع رجلا في محل لبيع المواد الغذائية، او تلك السيدة التي تجوب شوارع وازقة مدننا القديمة، واضعة (صينية) القيمر على رأسها الى أن تجد مكانا تتخذه مقرا نقصده نحن في صباحات تنتفخ فيها جيوبنا او نجود لعزيز او عروسين في احلى صباح، تلك الطبقات لم تأت من فراغ بل هناك اناس سهروا وجهدوا وكدوا وتعبوا، نتمنى أن ننظر اليهم بإنسانية، ان لم نقل بمهنية وننصفهم وندعمهم كي يستمروا بمهنتهم
 هذه..