الشركات العامة

اقتصادية 2021/09/16
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي
تشهد الساحة العراقية، اليوم، جدلا واسعا، بشأن الشركات العامة، المملوكة للدولة، وقد انقسم المتجادلون الى فريقين، الأول يتبنى موقف خصخصة وتصفية هذه الشركات، والفريق الآخر، يرفض ذلك، ويدعو الى تأهيلها، وإعادة نشاطها.
ولكلا الفريقين، أسبابه ومبرراته، وقد تميل الكفة الى صالح الطرف الاول الذي ينادي بالخصخصة، ويبدو ان معطيات الواقع بدأت هي الأخرى تسير بهذا الاتجاه، فقد نشأت الشركات العامة، في ظل ظروف، مختلفة تماما عن الظروف الراهنة، فبداية نشأتها كانت في ظل اقتصاد اشتراكي، ريعي، تتولى فيه الحكومة، توفير كل شيء من الإبرة الى القاطرة، ويوم ذاك لم يكن مبدأ المنافسة معروفا في العراق، لا سيما في أعقاب حركات التأميم، وهيمنة القطاع العام على جميع المفاصل، ولذلك فإن مَن يتحدث عن ان الشركات العامة بكونها كانت رابحة، فإن ذلك قد يبدو صحيحا في ظل غياب المنافس، اذ لم يكن امام المستهلك، اي خيارات متاحة، فهو مضطر لاقتناء منتج هذه الشركات، سواء أكان هذا المنتج محليا او "مستوردا"، وعندما اضع "مستوردا" بين قوسين، فأنني اعني ان الكثير من الشركات كانت تقوم باستيراد المنتجات الصناعية، وتبيعها للمستهلكين، وفق آليات معروفة، مثل المواد الانشائية والسيارات وغيرها، اما قضية الربح والخسارة فلم تكن ضمن اولويات تلك الشركات، على الرغم من ان قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997، اشار في احدى فقراته، الى انه في حال خسارة الشركة نسبة 50 % من رأسمالها الاساس، فإن للوزارة المعنية النظر في امر هذه الشركة، اما ان تغلقها او تستمر في حال وجود معطيات تشير الى قدرتها على تعويض هذه الخسائر.
أما الان فالامر لم يعد كما كان، وبدأت الشركات العامة تشكل عبئا على الاقتصاد، لانها غير قادرة على المنافسة، وبدلا من ان تحقق الشركات العامة أرباحا تسد متطلباتها كرواتب ونفقات تشغيلية وحوافز وارباح، ورفد الموازنة العامة بنسبة من تلك الارباح، اصبحت الحكومة مضطرة للاقتراض من خزينة الدولة لسد نفقات الشركات العامة، وهي ليست مضطرة للاستمرار في سياسة الاقتراض التي ترهق الموازنة، وليس من مهمات الحكومة ان تبقى تتولى كل شيء، في الوقت الذي ينادي الجميع بدعم وتطوير القطاع الخاص، ومنحه المساحة الكاملة لتحقيق الشراكة مع نظيره القطاع الخاص.
وعلى هذا الأساس، فإننا بحاجة ماسة الى وقفة جادة وحقيقية لاعادة دراسة واقع الشركات العامة، ووضع حلول ومعالجات مناسبة، تأخذ بنظر الاهتمام، اعتبارات عدة، اهمها كيفية التعامل مع العاملين في هذه الشركات وهم يشكلون اعدادا ليست قليلة، فهؤلاء يحتاجون الى ضمان حقوقهم الحالية والمستقبلية، والامر الاخر، يرتبط بالاصول الكبيرة التي تمتلكها الشركات العامة، وآليات معالجتها، بنحو يضمن عدم تكبّد اي خسائر، ومحاولة تحويلها الى قيمة اقتصادية مضافة.