ظاهرة حرق النفايات داخل الأحياء السكنيَّة.. أضرار صحيَّة وبيئيَّة لا حصر لها

ريبورتاج 2021/09/19
...

 بدور العامري
 
اثار فضولي موقف حدث اثناء مراجعتي لاحدى عيادات امراض الجهاز التنفسي والربو في بغداد، وهو وجود ما يقرب من (12) شخصا من المرضى يسكنون في  الزقاق نفسه ويعانون تقريبا من الاعراض ذاتها، بل ان هناك ثلاثة افراد من الاسرة نفسها كالأم وابنتيها، فسألت احداهن ما هذه الصدفة التي جمعتكم؟ ليأتيني الجواب بحقيقة مؤلمة وهي انهم لم يتقاسموا العيش في الحي ذاته فقط، بل حتى المرض والمعاناة بسبب تلوث الهواء، نتيجة وجود محرقة للنفايات في المنطقة التي يقطنونها منذ اكثر من ثماني سنوات.
 
مواد مسرطنة
عند التحدث مع الطبيب (ف.ع)، صاحب العيادة واستشاري في احد المستشفيات الحكومية في جانب الكرخ والذي طلب عدم ذكر اسمه اكد لـ {الصباح} {هناك العشرات من المرضى ممن يعانون امراضا في الجهاز التنفسي وسرطان الرئة ويراجعون مستشفيات العاصمة يوميا، وهم من سكنة المناطق القريبة من مصفى الدورة واطراف بغداد قرب مناطق طمر النفايات وحرقها، اذ ينتج عن الدخان المتصاعد في الهواء عدد من المواد السامة والغازات ذات التأثير الضار المباشر في الجهاز التنفسي للإنسان بالدرجة الأولى مثل (الديوكسين والفورانات)}.
مبينا أن هذه المواد علاوة على تسببها بالامراض السرطانية لها تأثيرات أخرى تبدأ منذ اللحظة الأولى لاستنشاقها، تتمثل بالصداع والغثيان إضافة الى التأثير على الوظائف العقلية للدماغ، اذ تبطئ من ردات الفعل الطبيعية للإنسان، وعن وجود إحصائية بأعداد هؤلاء المرضى قال الطبيب (ف.ع) لا يوجد تركيز كبير على موضوع الأرقام والاحصائيات في الفترة الحالية، وبتقدير الطبيب (ف. ع) يجب أن تكون الأولوية في تقديم العلاج والمشورة الطبية، وضرورة إيجاد الحلول السريعة لمشكلات التلوث في بغداد من قبل الجهات المختصة وهي البيئة وامانة العاصمة.
 
تعليمات بيئية
من جانبه أوضح المدير العام لدائرة التوعية والاعلام البيئي امير علي الحسون في تصريح سابق لـ {الصباح} ان {تعليمات وزارة الصحة والبيئة واضحة بهذا الخصوص، اذ يجب أن تكون مواقع الطمر الصحي خارج التصاميم الأساسية للمدن وبعيدة عن مصادر المياه بمسافة لا تقل عن (كيلومتر)، إضافة الى معالجة ظاهرة انتشار الازبال على الأرصفة وبين الازقة ومداخل المدن عن طريق تجميعها ومعالجتها بالطرق الصحيحة التي لا تضر بالبيئة}.
موضحا ان أسلوب حرق النفايات له تأثير خطير على البيئة والانسان على حد سواء، اذ ان الدخان المتصاعد الناتج عن الحرق يكون محملا بالغازات الضارة في الهواء الذي يتنفسه الانسان، باعتبار هذه الابخرة السوداء احد مصادر الاصابة بالأمراض السرطانية، فضلا عن التسبب بموت جميع المزروعات والأشجار القريبة من أماكن الدخان.
 
عشوائيات
مدير اعلام امانة بغداد محمد الربيعي تحدث لـ{الصباح} عن اهم أسباب انتشار ظاهرة حرق النفايات في الشوارع مؤخرا، ومنها ضعف دور المراقبين في اقسام البلديات وقلة وجود كاميرات المراقبة، إضافة الى صعوبة وصول آليات الأمانة الخاصة برفع النفايات ونقلها من مناطق العشوائيات، نتيجة لعدم وجود طرق نظامية فيها، الامر الذي أدى الى انتشار النفايات وتوجه الأهالي الى حرقها بدل التخلص منها بالطرق السليمة، مؤكدا تواصل جهود قسم التوعية والاعلام في مجال تعريف المواطنين بالمضار الكبيرة لحرق النفايات، اذ يقوم بتوزيع البوسترات والمنشورات التثقيفية من جهة وبيان الإجراءات القانونية التي تتخذها الأمانة بحق المخالفين من جهة أخرى، اذ تفرض غرامات مالية على من يقوم بالحرق، وفي حال تكرار الفعل تصل العقوبة الى السجن، في الوقت الذي اكد فيه أهمية تعاون المواطنين والابلاغ عن هكذا ممارسات عن طريق مكاتب البلديات المنتشرة او صندوق الشكاوى المخصص، داعيا المواطنين الى الامتناع عن رمي النفايات في الشارع والالتزام بوقت الذروة المحدد لوصول سيارات رفع النفايات من الحاويات الصغيرة.
جدوى اقتصادية
الخبير الاقتصادي رشيد مهدي السعدي يبين الجدوى الاقتصادية لمشاريع تدوير النفايات ومعالجتها بالطرق الاقتصادية النظيفة، إضافة الى تحقيق الهدف الأول وهو التخلص من النفايات ومعالجتها بطرق نظيفة وصحية لا تؤثر سلباً في الحياة العامة لجميع الكائنات الموجودة في تلك المناطق، وتوفير عدد كبير من فرص العمل وتشغيل الايدي العاملة في مختلف مراحل تلك العملية، بدءاً من جمع النفايات من المنازل او أماكن تجميعها، مرورا بفصلها ومعالجتها وليس انتهاء باستخدام مخرجات تلك العملية من انتاج الطاقة الكهربائية، وإيجاد مواد أولية تدخل في صناعة المواد الانشائية لغرض البناء مثل الحجر والاسمنت وغيرها.
 
معالجة
مع اتساع حجم التلوث في العاصمة بغداد نتيجة أسباب كثيرة منها الانبعاثات المصاحبة لدخان المنشآت النفطية ومحطات توليد الكهرباء الكبيرة منها والصغيرة المنتشرة داخل الاحياء السكنية، إضافة الى الغازات والابخرة التي تطلقها عوادم السيارات، فضلا عن ظاهرة حرق النفايات بشكل يومي داخل الاحياء السكنية عن جهل بعواقبها الصحية، اصبح من الضروري إيجاد البدائل الناجعة لهذه الظاهرة باعتبارها مشكلة وليست حلا، وفي هذا الخصوص تحدث حكيم عبد الزهرة عن قرب افتتاح مشاريع جديدة تعمل على معالجة النفايات بطرق اقتصادية حديثة قائلا {ستشهد الأيام القليلة المقبلة افتتاح مشروعين كبيرين لمعالجة 80 % من نفايات العاصمة وبالطرق الحديثة المعتمدة في دول العالم عن طريق فصل المواد والاستفادة منها، كلا حسب صنفه، مثل الزجاج يرسل الى معامل الزجاج لاعادة تدويره، والمواد الغذائية يتم تصنيعها كسماد عضوي للمزروعات وهكذا باقي أنواع النفايات}.
 
صديقة للبيئة
وفي السياق ذاته اثنى الخبير الاقتصادي رشيد السعدي على تجربة محافظة السليمانية في معالجة النفايات واستثمارها، قائلا {تتمثل الحلول الجذرية للقضاء على هذه الظاهرة بمعالجة المسبب الأول لها وهي النفايات والتخلص منها عن طريق المعالجة الاقتصادية الحديثة بدلا من تراكمها داخل الاحياء السكنية، اذ استطاعت الجهات المعنية في مدينة السليمانية في إقليم كردستان أن تستثمر التكنولوجيا الحديثة في انشاء مشروع لمعالجة (1200) طن من النفايات يوميا، اذ يعمل على تجميع النفايات من مدينة السليمانية والمناطق القريبة منها ومعالجتها بالطرق الحديثة (صديقة للبيئة)، الامر الذي يضمن التخلص من النفايات والحفاظ على بيئة صحية من جهة واستثمار الطاقة المتولدة لأغراض توفير الكهرباء والحصول على عدد من المواد الأولية الأساسية في بعض الصناعات بعد معالجتها كيميائياً}.