محمد شريف أبو ميسم
ما من دولة تعمل بنظام اقتصاد السوق إلّا وتتولى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وحتى متناهية الصغر، وتشكل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر أكثر من 95 % من مجموع المؤسسات في
العالم.
وهي توفر فرصا هائلة لدفع عجلة النمو الاقتصادي والدخل وفرص العمل، وتستند الى ايراداتها الكثير من الاقتصاديات العالمية المتقدمة والصاعدة، كما في بعض دول الاتحاد الأوروبي وكندا ودول شرق آسيا والصين، ما يجعل دعم الدولة ضرورة لهذا النوع من المشاريع في إطار تحقيق السيادة ازاء عولمة اقتصادية، وتغوّل ليبرالي يدعو الى زوال سلطة الدولة لصالح سلطة رأس المال
الأجنبي. ومن هذا المنطلق حرصت الدول التي تعمل بنظام اقتصاد السوق الاجتماعية على إدامة الدعم لهذا النوع من المشاريع، والإبقاء على الشركات المالية الداعمة في إطار ملكية الدولة، وخير مثال هنا ما يقدمه بنك التنمية الألماني المملوك للدولة الألمانية في ظل اقتصاديات حرة، وتشابكات تجارية واقتصادية دولية تقودها الرساميل الخاصة، اذ يقدم نحو 90 % من إجمالي الاقراض في هذه المشاريع، بوصفه وكالة عامة ليس من وظائفها التنافس مع المصارف التجارية، وانما تقديم العون بما يسهّل أعمالها في المجالات التي تقع ضمن اختصاصه.
وحتى النظم الرأسمالية العاملة في إطار ليبرالية السوق، وبرغم الدعوات المتواصلة لمنح المزيد من الحرية لرأس المال على حساب وظائف الدولة، إلا أن الدولة لا تتنازل عن دورها في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر بوصفها القاعدة الضامنة لديمومة الحياة، تحسبا للظروف الطارئة والكوارث الطبيعية وسواها التي تهدد سيادة
الدولة.
وقد حرصت مثل هذه الدول على تقديم التسهيلات لأصحاب هذه المشاريع وصولا الى مواقع العمل، والمشاركة في تذليل الصعوبات التي يواجهها العاملون، فضلا عن التأهيل وضمان التمويل من المصارف التجارية، والمساعدة في التسوق، كما هو شأن الوكالة الفيدرالية الأميركية SBA، الأمر الذي يدعونا للتأمل قليلا في رؤيتنا لبناء اقتصاد حر، إذ إن إيماننا بحرية رأس المال ورغبتنا الجامحة في جذب الاستثمار الأجنبي، بعد أن أفرزت لنا التدخلات الخارجية، على مدار سنوات، بيئة طاردة للاستثمار ونحن بأمس الحاجة لفرص العمل ودفع عجلة التنمية، ينبغي أن لا يلغي حاجتنا الماسة لبيئة عمل وطنية قائمة على قاعدة واسعة من هذه المشاريع، وان تقديم الدعم لا يعني التمويل وحسب قدر الحاجة الى تلبية كل المتطلبات التي تضمن النجاح وتحقق الأهداف الستراتيجية والبنيوية لهذا
البلد.