مراهنات

الصفحة الاخيرة 2021/09/23
...

حسن العاني
 
في حدود معايشتي واطلاعي، أعرف ثلاثة اشخاص يستحقون وصف (نادرين)، وذلك لان الناس تفترق وتلتقي وتتباعد وتأخذها الحياة في دروبها، إلا هؤلاء الاصدقاء الثلاثة ما باعدت بينهم الدنيا، ولا افسدت وداً في يوم من الأيام وهم على عتبة الخمسين من العمر، وعلاقة على امتداد هذا الزمن الطويل لم تشهد غضباً ولا زعلاً هي من عجائب العلاقات الإنسانية، غير ان ما هو أعجب في أمر الثلاثة، انهم مهووسون بالرهان هوساً مرضياً، لا يفارقهم ولا سبيل الى الشفاء منه!.
ومع أن مرض الرهان لم يخرج عن دائرتهم، وظل حكراً فيما بينهم، الا انه لازمهم منذ طفولتهم ومراهقتهم ومراحل دراستهم المبكرة، وظل ينمو ويكبر حتى تمكن منهم، ففي طفولتهم كانت رهاناتهم بحجم أعمارهم، محدودة ومتواضعة، سواء عبر لعبة (طره كتبه) كما يسميها البعض، أو (الصورة والكتابة) كما يسميها البعض الاخر، أم عبر سباقات الركض او رمي الحجارة الى ابعد مسافة وغيرها، وفي عهد المراهقة مثلاً كان الرهان يدور حول من يستطيع أن يتحدث مع هذه الفتاة او يصادق تلك، ثم دخلت رهانات الشباب والمقاهي على الخط، فكانت العاب الورق والدومينو والنرد.
لعل الشيء الظريف في تلك الرهانات، انها لم تكن مؤذية، فقد ظل جانب الامتاع والمتعة واشباع رغبة التحدي والرهان هو المسيطر، وآية ذلك ان الخاسر منهم يدعو صاحبيه على قدح شاي او علبة مشروبات غازية او (لفة) فلافل، وفي السنوات الأخيرة اخذت رهاناتهم صورة جديدة، وأهم ما يميزها، انها ذات تكهنات مستقبلية، من ذلك على سبيل المثال، من يفوز بكأس العالم لكرة القدم، او من اية محافظة ستكون ملكة جمال العراق ..الخ، ومن الطبيعي الا تغيب المراهنات السياسية عن دائرة اهتمامهم، يحضرني في هذا المجال كيف جمعتهم جلسة رهانات صاخبة قبل عدة اشهر، اذ تضمنت اكثر من رهان في وقت واحد، كان ابرزها حول من يفوز في الانتخابات ويكون بمقدوره تشكيل الحكومة، اذ افترض احدهم ان من سيفوز في الانتخابات المقبلة هم (الليبراليون والعلمانيون والتقدميون واليساريون)، ثم تساءل : بعد كم من الزمن سيختلفون فيما بينهم على الكراسي والمناصب وتوزيع الحقائب كما اختلف سابقوهم؟.
قال الأول : ان الخلاف بينهم سيظهر بعد ستة اشهر الى سنة، وقال الثاني : بل اراهن ان الخلاف بينهم لن يظهر الا بعد سنتين الى ثلاث سنوات، وقال الثالث : لو سمحت لهم الأحزاب القائمة بالفوز فسأقطع ذراعي، ثم انتقلوا الى رهان سياسي رابع، لا يصلح للنشر مع 
الأسف!.