عبدالزهرة محمد الهنداوي
الاقتراض الاضطراري، مثل الهبوط الاضطراري للطائرة، عندما يجد الطيّار أن الاستمرار بالتحليق سيعرض الطائرة الى التحطم، وهكذا هو الحال بالنسبة للاقتراض، سواء أكان على مستوى الأفراد او المؤسسات او البلدان، ينبغي ان يكون اضطراريا، بوجود حاجة قصوى ترتبط بمعالجة مشكلة مصيرية، تتعلق بحياة الفرد او وجود المؤسسة، او حالة انهيار وشيك للبلد، ومن هذه الزاوية، ندخل الى ملف الاقتراض في العراق، إذ يُقدر حجم الدين بنحو 130 مليار دولار، تراكمت عبر عقود من الزمن، وهي قروض داخلية وخارجية، وهذا الرقم يشكل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي.
وتصل حصة الفرد الواحد من من المديونية الى اكثر من 3 ملايين دولار، إلا أن الذي يقلل من منسوب القلق، هو طبيعة القروض العراقية، منها الاقتراض الداخلي، والذي يبلغ نحو 50 مليار دولار، تعود للبنك المركزي، والمصارف الحكومية، اضطرت الحكومة الى اقتراضها في فترات سابقة، عندما وجدت نفسها امام أزمة حادة، نتيجة انخفاض الايرادات النفطية، وكانت الحكومة ملزمة بتأمين رواتب موظفي الدولة، وضمان استمرار الانفاق المالي على الجوانب الصحية والامنية والمعيشية، لا سيما خلال الفترة التي اعقبت عام 2014، عندها كانت الكثير من التوقعات تشير الى ان العراق أمام انهيار اقتصادي مريع.
أما الديون الخارجية والتي تبلغ نحو 80 مليار دولار، فهي تنقسم الى قسمين، الاول، الديون التي تعود لحقبة ما قبل 2003 والتي تبلغ اكثر من 40 مليار، وتوصف بالبغيضة، الا انه لم يتم التوصل الى اتفاق بشأن تسويتها ضمن اتفاق نادي بارس، وهي تعد مجمدة، بمعنى، عدم تحميلها اي فوائد او جدولتها، ليتبقى اقل من 40 مليار دولار من القروض السارية، والتي اقترضها العراق في مراحل مختلفة بعد عام 2003، لاسيما بعد مؤتمر مدريد للدول المانحة عام 2004. وتتميز هذه القروض، بانها قروض بفوائد ميسرة وبمديات تسديد بعيدة المدى، فضلا عن كونها تعود لمؤسسات حكومية ومنظمات دولية.
واذا كانت الظروف التي مر بها العراق خلال السنوات السابقة، توصف بالصعبة، اضطرت معها الحكومة الى الاقتراض، فقد يكون الحال تغير الان..
نعم ما زالت الموازنة تواجه عجزا ليس باليسير، ولكن مع تعافي اسعار النفط، وظهور نمو اقتصادي في عدد من القطاعات التنموية، ما يستدعي إعادة النظر بسياسة الاقتراض الداخلي والخارجي، الذي ينبغي ألا نذهب اليه إلا في الضرورات القصوى، وتتوقف عليها قضية ذات اهمية قصوى ايضا، وفي حالة الاضطرار هذه، فإن القرض يجب ان يكون ضامنا لنفسه، اي ان يتم تسديده من المشروع نفسه الذي يمول من هذا القرض، بمعنى ان تذهب القروض الى الجانب الاستثماري، حصرا، وعلينا ان نفكر في كيفية تسديد القروض التي بذمتنا الآن، والتوجه نحو تفعيل قطاعات التنمية بما يضمن حقوق الاجيال المقبلة.