جواد علي كسار
انبثقت عن واقعة 10 محرم سنة 61 هـ ثلاثة دواوين ارتبطت بالإمام سيّد الشهداء، هي ديوان الرثاء، والمأتم والعزاء، وديوان الزيارة.
فمنذ الأيام الأولى لواقعة كربلاء انتعش الرثاء الحسيني، وسجّل ديوان الشعر الحسيني أروع المراثي وأفجع القصائد، يكفينا منها أن خطيباً أديباً من طراز الشهيد السيد جواد شبر، جمع من هذا الشعر بجهد فردي، موسوعة هي «أدب الطف» امتدّت إلى عشرة مجلدات، على النحو الذي تحوّل ديوان الشعر الحسيني في خصائصه ومحتواه واتجاهاته، إلى مدرسة قائمة بنفسها.
هكذا كان الأمر مع المأتم، الذي انطلق مع بواكير واقعة كربلاء، وتحوّل إلى مؤسسة قائمة بذاتها، يتبوأ المنبر الحسيني سنامها وذروتها، بكلّ ما يحفل به هذا المنبر من تأريخ ومضامين واتجاهات ورموز، ومدارس كُتب عنها الكثير، ولا يزال يمثل مجالاً خصباً للبحث والدراسة.
الديوان الثالث هو المزار الحسيني، فلا تكاد تمرّ على حياتنا مناسبة دينية، إلا وهي ترتبط بزيارة سيّد الشهداء، فزيارة الإمام الحسين مقدّمة في جلّ مواسم العبادة، وفي أغلب شهور السنة.
ترتبط هذه الدواوين الثلاثة بأطر تشريعية تفصيلية، لا سيما ديوان الزيارة الحسينية، تتحدّث عن مواقيتها وكيفيتها ونصوصها، والآداب والسنن التي ترتبط بأدائها، بل وتدخل في تفصيلات عمل الزائر، وتنظم له أدقّ الأمور حتى ما يتصل بالملبس والمأكل والصحبة والنفقة، وما إلى ذلك.
لقد عرف الموالون طريقهم إلى كربلاء منذ أيام الحسين الأولى، بدؤوا فرادى وعلى وجل، ثمّ تحوّلت زيارة كربلاء إلى شلال منهمر من البشر، لا يكاد ينقطع إلا تحت ويلات قسوة السياسة وظلم الحكّام، ينقل لنا الطبري في تأريخه، تفصيل أكبر زيارة جماعية اتجهت من الكوفة إلى كربلاء، قصد فيها آلاف التائبين من أتباع سليمان بن صُرد الخزاعي، مرقد الإمام سيّد الشهداء سنة 65 هـ، قبل أن يتجهوا صوب منطقة عين الوردة، لملاقاة جيش
الشام.
وفي حلقة متألقة من تأريخ الزيارة الحسينية، سجّل العراقيون مأثرة تكاد تُنسى في تأريخ هذا البلد، عندما تحدّت الجماهير الحسينية في صفر عام 1497هـ قرار المنع البعثي، فكانت انتفاضة صفر (عام: 1977م) التي قدّمت مجموعة شهداء ثمناً لكي يبقى الطريق مفتوحاً إلى كربلاء، كما هو الآن.