بغداد: نوارة محمد
ثمة موت يدرك احدهم، موت يحظى بعده بلذة انتصار دائم و أبدي، نعم هنا تتسارع ملايين الخطوات بأجساد أثقلها الحزن، وأرواح غير مبالية، تتسارع الخطوات من مختلف العروق والجنسيات، ومرة أخرى نحو كربلاء، ومن شتى الطرق والاتجاهات.
تتسارع حتى تلوّن الشمس سمرة الوجوه وتتورم الأقدام منتفخةً جلودها، حتى تتشح الثياب بالغبرة مرة وبالسواد أخرى. بحزن لا ينتهي ودموع لن تجف يحيي الشيعة أربعينية الحسين (ع)، اذ يسير الآلاف حُفاة نحو كربلاء. لا حياة ولا نوم، لا بيع ولا شراء هنا، في خيم نصبت ومواكب للعزاء جهزت لاستقبال الزوار في أواخر الليل وطوال ساعات النهار، ينفض المشاة غبرة الأيام كلما يطيح التعب أجسادهم ليكملوا ما تبقى من فصول رحلة وداع الحسين (ع) و اختتام آخر جزء منها، بقليلٍ من الأمل يتشبث الملايين ليحظوا بلحظة وداعٍ بين الحرمين وذرف الدموع في الأضرحة وعند العتبات. دموع تواسي بها الجموع الغفيرة اهل البيت بعد مصيبة واقعة الطف وعودتهم من الشام سيراً على الاقدام.
هذا الطقس الديني الضخم يقوم على السير لمسافات طويلة نحو كربلاء، تنطلق قوافل المشاة قبل الاربعينية بمدة تصل أحياناً الى عشرين يوماً، لعلهم يواسون اهل البيت. محمد فاضل الشاب الذي يسكن ديالى يصل كربلاء بعد رحلة استمرت ثلاثة ايام يحكي لـ «الصباح» عن سبب احياء هذا الطقس بالنسبة له «انا وقبل ثلاث سنوات بدأت امارس هذا الطقس الديني، أسير ليلاً بشغف وايمان كبيرين وأنام ساعات في النهار، والمواكب والخيم توفر لي جواً مريحا وهذا ما يزيد من عزمي و الآخرون، لا تهتم بنومي و وجبات طعامي فقط، لا بل يحاول البعض منهم غسل ملابسي الخاصة وحاجاتي، فيذهب عني كل التعب»، فاضل يكمل حديثه عن هذه الظاهرة المليونية فيقول «زيارة الأربعينية بعيداً عن كونها ظاهرة دينية، لكنها اجتماعية انا بين الحشود لم أتذكر سوى مأساة الحسين (ع) ورسالته التي جمعتنا هذه الليلة، في جو روحاني ينام الغني والفقير ويجتمع الكل لتأدية الصلوات بقلوب خاشعة».
اما حيدر مؤيد أحد اصحاب المواكب الحسينية فيشرع ابوابه لخدمة المشاة في استطلاع لـ«الصباح» قال «انا هنا ومنذ سنين أُحيي طقوس زيارة الأربعين، لأحظى بشفاعة الحسين ومواساة لأهل البيت، انا والكثيرون هنا، لعلنا نكون سبباً في منع اندثار هذه المراسيم».
مؤيد يحدثنا عن تمويل موكبه الخاص فيقول «نحن نجهز لهذه المراسيم والشعائر طوال العام، وتجمع الاموال بصندوق تبرعات على حدّ وصفه مضيفاً أنها تبرعات ذاتية لا دخل لجهات معينة، رسمية أو غير رسمية في جمعها».