نقطة نيمو.. {مقبرة الفضاء} تحت مياه الهادئ

بانوراما 2021/09/26
...

  توري شيبرد
  ترجمة: ليندا أدور
 
أطلق عليها اسم {نقطة نيمو Point Nemo}، تيمنا ببطل رواية المغامرات لمؤلفها جول فيرن {20 ألف فرسخ تحت البحر}، الشهير الكابتن نيمو. تقع هذه النقطة على بعد آلاف الكيلومترات عن أي جزء من اليابسة على سطح الأرض، وعلى عمق أربعة كيلومترات تحت سطح البحر، أنها {مقبرة الفضاء} المائية التي ينتهي فيها المطاف بالكثير من محطات الفضاء المندثرة.
الى أبعد نقطة عن أي كتلة أرضية والبقعة المهجورة في المحيط الهادئ، يتم ارسال الأقمار الصناعية القديمة وأجزاء الصواريخ والمحطات الفضائية لترقد في قاع البحر المظلم والى الأبد. كونها تقع على بعد قرابة 2700 كيلومتر عن أي يابسة، فإن اسمها الفني هو {نقطة المحيط المتعذر الوصول اليها}، لكن الأكثر شيوعا هو {مقبرة الفضاء}. فهنا، أي في هذه النقطة، يرجح أن تكون نهاية المختبر الذي يصل حجمه مساويا لملعب كرة قدم يدور حول الأرض. فقد أفادت تقارير صدرت مؤخرا، بحدوث تصدعات على السطح الخارجي لجسم {محطة الفضاء الدولية}، ورغم أن تلك التشققات لا تتسبب بموتها الوشيك، لكنها بلغت سنواتها الأخيرة بالتأكيد.
بخروجـ المركبة الفضائية من الخدمة، تصبح خطرا على كل شيء موجود في المدار، اذ غالبا ما يتسبب حطام الفضاء بحدوث انسداد فيه، فبسرعة مدارية تبلغ 17,500 كيلومتر في الساعة، فإن رقائق الطلاء الصغيرة يمكن أن تتسبب بإحداث أضرار جسيمة لمركبات فضائية أخرى.
 
متلازمة كيسلر
وفقا لوكالة ناسا، {يوجد الآلاف من قطع المخلفات الفضائية التي تثير القلق من أن تصادما واحدا صغيرا في ما بينها قد يؤدي الى سلسلة كبيرة من ردات الفعل، يطلق عليها {تأثير كيسلر}، أو {متلازمة كيسلر}، وهي إمكانية وصول حجم الحطام في المدار الى كتلة حرجة، حيث يولد كل تصادم المزيد من قطع الحطام الكثيرة كالشلال، يصل الى النقطة التي تجعل من المدار غير صالح للاستخدام. وتقول ناس إنه: {للحيلولة دون وقوع كارثة كهذه، يتوجب على من يفكر في إطلاق شيء الى المدار، ان تكون لديه خطة، إما إرساله الى {مدار مقبرة}، وهو إطلاق الأقمار الصناعية عاليا في الفضاء، خارج نطاق الضرر، باستخدام آخر وقود متبقٍ فيها، أو إرسالها ثانية الى الأرض لكي تحترق وسط الغلاف الجوي}. أما الأقمار الصناعية الأقرب، فيمكن أن تدفع برفق الى خارج المدار، لتحترق الصغيرة منها بالكامل عند عودتها، أما تلك التي لا تحترق، يمكن أن تصطدم بالأرض وفق مسار {غير مخطط له} (كالذي حدث مع الصاروخ الصيني لونغ مارش بي 5 Long March 5B  في آيار الماضي، أو محطة الفضاء سكاي لاب Skylab التي سقطت غربي استراليا). لكن، يفضل أن يتم توجيه الحطام للسقوط في نقطة نيمو بدلا من سقوطه في مناطق مأهولة.
تشير وكالة الفضاء الأوروبية الى أنه باستخدام {النمذجة} يمكن اختيار النقطة التي ستضرب فيها المركبة الغلاف الجوي العلوي، ومن خلال زاوية محسوبة وحادة يمكن ضمان سقوط الحطام ضمن نطاق منطقة محددة. في العام 2001، عندما بلغت محطة {مير} الفضائية و الروسية نهاية عمرها التشغيلي، تم إخراجها من المدار لتعود الى الأرض، وقد احترقت معظم أجزائها عند دخولها الغلاف الجوي، تبقى منها نحو 25 طنا، سرعان ما بدأت بالهبوط باتجاه قبرها المائي في نقطة نيمو. 
مذّاك، بدأت العديد من الأقمار الصناعية البائدة وأجزاء الصواريخ بالانضمام الى مصير {مير}، حتى أن مركبة النقل الآلية التي استخدمت لأعمال الشحن الى محطة الفضاء الدولية إنضمت إليها. وذات يوم في المستقبل غير البعيد، ستنضم اليهم محطة الفضاء الدولية التي تدور حول الأرض منذ العام 1998، وهي مشروع المشترك بدأته روسيا والولايات المتحدة وكندا واليابان ودول أوروبية. وفي العام 2000 أصبحت المحطة مسكنا لرواد الفضاء، اذ كان يتوقع لها، بداية، أن تستمر بالعمل لمدة 15 عاما فقط، أما اليوم، فقد تم التصريح لها بالعمل، على أقل تقدير، حتى العام 2024، الا أن تقادم العمر بدأ يظهر عليها، والذي جاء في تصريح لأنجيلا هارت المتحدثة باسم وكالة ناسا، مؤخرا، بأنه: {مع مواصلة عمل المحطة بنشاط في المجالات العلمية والبحثية.. لكنها يوما ما ستصل الى نهاية العمر}. أشار فلاديمير سولوفيوف، من القسم الروسي من المحطة الدولية، الى أن غالبية الأنظمة على متن المحطة قد تجاوزت تاريخ صلاحية خدمتها، ما قد يؤدي الى حدوث أعطال يتعذر إصلاحها، مثل تسريب الهواء وأعطاب تتعلق بإندثار الهيكل. 
 
شعاب مرجانيَّة
تقول أليس جورمان، عالمة الآثار الفضائية من جامعة فلندرز، ان واحدا من الأمور الشائكة هو ان المحطة  الدولية عبارة عن هيكل مكون من عدة أجزاء، اذ تحتوي على وحدات مختلفة حيث يعيش رواد الفضاء الستة فيها، بينما تستخدم اخرى كمختبرات، الى جانب مصفوفات شمسية وأذرع آلية (روبوتية) خارجها، بحجم يساوي ملعب كرة قدم أميركية، فهي تضم حمامات وقاعة لممارسة الالعاب الرياضية ونافذة مطلّة كبيرة، تقول جورمان: {في حال توجب عليهم فصل الوحدات عن بعضها البعض، فمن المرجح أن ينتج عنها بعض الحطام، وهناك مخاوف  بشأن ترك هذه المخلفات في الفضاء، فعند دخولها الغلاف الجوي، ستبدأ بالتفتت، وأحد الأسباب الذي جعل من نقطة نيمو موقعا جيدا هو أن أثر الحطام، بدءا من أول جزء حتى آخر جزء، يمكن ان يصل طوله الى كيلومترات}.
لكن، ماذا لو حدث خطأ ما؟ ماذا لو لم يتم تحديده بدقة؟ فعندما خرج الصاروخ الصيني عن السيطرة، كانت هناك مخاوف ليس فقط أن يسقط فيصيب شخصا ما، بل من مخاوف بقاء وقود دافع (وقود سائل) سام على متنه، وقد يحدث ذلك حتى مع التحكم بالسقوط، بحسب جورمان التي علقت بأن دخول الجسم الغلاف الجوي سيحرق كل أنواع الوقود المتطاير، لتتبقى المواد الأخرى كالفولاذ المقاوم للصدأ وسبائك التيتانيوم والسيراميك. 
ترسم جورمان صورة جميلة عن تلك الرحلة العصيبة من الفضاء الخارجي الى أعماق البحر: {بإرسالنا لها الى قاع المحيط، كحطام سفن العالم أجمع، قد تصبح موئلا وربما شعابا مرجانية، هي حياة جديدة بالكامل}.