ليس سيد الأدلة

الصفحة الاخيرة 2021/09/27
...

عبد الهادي مهودر
 
القضية التي هزت الرأي العام العراقي مؤخراً كشفت أن عبارة (الاعتراف سيد الأدلة) ليست حاسمة، فهو ليس سيدها الأوحد، وليس سيد الأدلة دائماً ومطلقاً، وبعض القضاة لا يأخذون بالاعتراف كدليل قاطع ويبذلون وقتاً وجهداً كبيرين للمطابقة والتأكد ولا ينامون الليل خشية ارتكاب ظلم بحق انسان بريء، وبعضهم ينام ملء جفونه عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصمُ، فالاعتراف قد يخفي جريمة اكبر واخطر او ينقذ المجرم الحقيقي او يتم باتفاق مقابل ثمن، وفي مجتمعنا المثقل بالصراعات والأعراف العشائرية هناك اعتراف الابن الذي يفتدي أباه او أمه او زوجته او شقيقته لأسباب متصلة بالتقاليد الاجتماعية، وهناك اعتراف العاشق الولهان الذي يغيّر افادته ويعترف بارتكاب جريمة سرقة او قتل حتى لا يفضح سرّه، او الاعتراف المعاكس بتعمد الإساءة لسمعة الآخرين فيدّعي المواعدة والعشق للخلاص من جريمة قتل أخطر من تهمة انتهاك حرمة البيوت، وهناك انتزاع الاعتراف بالضغط والإكراه وهو الاسوأ لما يترتب عليه من ظلم وعواقب وخيمة على الفرد والمجتمع والعدالة، وغير ذلك من عجائب ومصائب الاعترافات الكاذبة كفاكم الله شرها، والمهم في القضية التي حدثت في محافظة بابل أن القاتل لم يقتل أحداً وبرأته زوجته قبل فوات الأوان وبعد انتزاع اعترافه وتصديق اقواله قضائيا، في قصة غريبة من اروقة المحاكم العراقية كأنها فيلم هندي تعود الضحايا في نهايته الى الحياة ويبصر العميان من هول الصدمة، تلك القصة التي اشتهرت اثر حفل براءة واستغاثة في العالم الافتراضي الذي اصبح اقصر الطرق لايصال مناشدات المظلومين والمرضى والمحكومين بلا دليل او بسيد الأدلة المفترى عليه، ولكن السؤال المحيّر في هذه القضية الجنائية البحتة هو: ما مصلحة المحقق في إجبار المتهم على الاعتراف بقتل زوجته، والقضية ليست سياسية ولا تزعزع الأمن والاستقرار ولا تمس الأمن القومي ولا تعرقل الملاحة في المياه الدولية؟! وكيف لا يعترف المتهم بقتل زوجته واطفاله مع هذا النوع من المحققين الذين يعتقدون أن البريء متهم حتى تثبت ادانته؟!.
محاسبتهم العلنية من قبل رئيس الوزراء بعين حمراء وقراره بسحب ايديهم وتوقيفهم واحالتهم الى التحقيق بحضور المتهم البريء، يتمناها كل بريء تمت ادانته.