مشروع تطوير السكك الحديد .. مصر تختار أوروبا على حساب الصين

بانوراما 2021/09/29
...

  بيرنهارد زاند
  ترجمة: خالد قاسم
   حصل تحالف شركات بقيادة سيمنز الألمانية على عقد بناء شبكة سكك حديد فائقة السرعة في مصر، ويعد الاتفاق جيدا بالنسبة للقاهرة وبرلين وأوروبا ويظهر أن الغرب ما يزال يستطيع منافسة الصين.
لا تظهر عادة أخبار جيدة من الشرق الأوسط، وقد هيمنت هذه المنطقة على عناوين الأخبار الدولية منذ عشرات السنين، لكن معظم تلك الأنباء كانت سيئة. لذلك جذب تقرير صدر من القاهرة اهتماما خاصا، اذ نال اتحاد شركات بقيادة عملاق الهندسة الألمانية سيمنز على عقد بقيمة 4,5 مليار يورو لبناء خط سكك حديد من منطقة «العين السخنة” عند النهاية الجنوبية لقناة السويس الى مدينتي الإسكندرية ومرسى مطروح على البحر المتوسط، أي أنه يربط البحرين الأحمر والمتوسط. ومن المتوقع أن ينتفع ملايين المصريين من هذا المشروع، فإلى جانب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تعاني مصر من مشكلة النقل منذ سنوات طويلة. ويعتمد الجزء الأكبر من قطاع النقل المصري على الطرق البرية عبر حافلات صغيرة مكتظة وازدحامات مرورية خانقة وطرق سريعة قاتلة. ويتحمل السكان، خصوصا بمنطقة القاهرة الكبرى، ما لا يطاق أثناء توجههم الى العمل أو الدراسة. 
تعيش خطوط السكك الحديد المصرية حالة سيئة جدا، وتبدو عربات المسافرين والقاطرات والمسارات وتقنيات الإشارة قديمة لدرجة ميؤوس من تطويرها، وكثيرا ما تقع حوادث قطارات خطيرة تذهب ضحيتها عشرات الأرواح.
تعد فكرة تشغيل أول خط مسافرين وشحن كهربائي قريبا (من العين السخنة عبر القاهرة الى الإسكندرية) قفزة كبيرة في تاريخ السكك الحديد المصرية البالغ عمرها 170 سنة. ومن المخطط أن يكتمل الخط بحلول العام 2027 ويتوسع لاحقا وصولا الى الأقصر ومدينة الغردقة السياحية، ويوفر حوافز اقتصادية، ويخلق وظائف لنحو 15 ألف شخص في مصر خلال المرحلة الأولى وفقا لتقديرات شركة سيمنز الألمانية. ونالت شركتان مصريتان عقد بناء الطريق ويتقدم المشروع بسرعة.
 
إحياء الماضي
يخلق المشروع وظائف في ألمانيا أيضا، اذ توفر سيمنز قطارات فاليرو السريعة المصنوعة في مدينة كريفيلد وقاطرات للشحن والنقل المحلي المصنوعة في ميونيخ الى جانب تقنية الإشارة من مدينة براونشفيغ. ويجهز الخط بآخر ما توصلت إليه أنظمة مراقبة القطارات الأوروبية، ويقول مايكل بيتر رئيس قسم النقل بسيمنز: «نجهز أحدث الأحدث.
يذكرنا العقد بمشاريع بنى تحتية كبيرة نفذتها شركات ألمانية في المنطقة خلال عقود الستينيات والسبعينيات، ولا تزال آثارها مقدّرة في العراق وإيران والسعودية ونيجيريا. واستثمرت ألمانيا آنذاك الى جانب فرنسا ودول أخرى مبالغ طائلة في الدول النامية والناشئة. وخلقت إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية قدرات زائدة كبيرة، واستطاعت شركات الإنشاءات والبنى التحتية توسيع عملها خارج حدود أوروبا بدعم ائتمان الصادرات الحكومي.
بدأ ذلك التوجه بالتلاشي مع بدء الألفية الحالية، اذ تسببت الأزمات الاقتصادية وفضائح الفساد ومشاريع عديمة القيمة وكبيرة الحجم بتغيير وجهات النظر المحيطة بتلك المبادرات. لكن مشاريع فردية قليلة استمرت بالتقدم عبر مساعدة الغرب، وتضع سياسة التنمية الغربية تأكيدا أكبر على تحسين الهياكل الادارية في الدول النامية من خلال «الحوكمة الجيدة.
سرعان ما دخلت هذا المجال دول أخرى بعدما ترك الغرب فراغا لأن المنطقة بحاجة للبنى التحتية الأساسية والطاقة والنقل والسكن والتعليم والصحة، وتحتاج للوظائف أيضا. لبّت الصين كل هذه الاحتياجات، والتي يبلغ مستواها التنموي مكانة مشابهة ببعض الجوانب لما كانت عليه أوروبا الغربية خلال نهاية الستينيات. وأنهت الصين بناء مدنها بالكامل تقريبا، وشيدت عشرات المطارات الجديدة وأنجزت مشاريع الطرق والسكك الحديد والمترو الأساسية. وتمتلك بكين طاقة فائضة بدأت باستخدامها مع إعلان مشروع طريق الحرير الجديد بشكل ستراتيجي حول العالم. كما استثمرت طاقتها في الشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط، إذ تشغّل شركات من بكين وشنغهاي موانئ في حيفا وبور سعيد واليونان، فضلا عن بناء فنادق وناطحات سحاب في الخليج، ومزارع طاقة شمسية في المغرب. لم تتفوق سيمنز على شركة فرنسية منافسة فقط بل شركة أخرى من الصين، وحظي المشروع بمساندة قوية من الحكومة الألمانية والمستشارة أنجيلا ميركل. ويبعث المشروع رسالة مفادها أن أوروبا مهتمة كثيرا بجيرانها ولديها خبرة تنافسية، ويجب على الغرب أن لا يتخلى عن المشاريع المهمة ستراتيجيا لصالح الصين.