عَبَقُ الأماكن

الصفحة الاخيرة 2021/09/30
...

 رضا المحمداوي 
 
في تمثيلية {عبق الأماكن} لمؤلفتها شروق الأنصاري التي انتجتها مديرية الدراما في شبكة الإعلام العراقي وعرضتها قناة العراقية لمخرجها فارس طعمة التميمي، تكون الدراما قد كسبت اسماً نسائياً شاباً جديداً في هذا المضمار الفني 
الصعب.
ورغم انَّ شروق قد حاولتْ اكثر من مرة أنْ يجدَ نتاجها الدرامي طريقه إلى الشاشة عبر العديد من المحاولات، الا أنَّ التمثيلية الأخيرة تعتبر بيان ولادة هذا الاسم في عالم الدراما.
وارادت المؤلفة الشابة في باكورة اعمالها أن يكون مدخلها الدرامي واقعياً صرفاً من خلال توظيف حادث التفجير الإرهابي الذي حَدَثَ في منطقة الكرادة ببغداد اواخر شهر رمضان من عام 2016 وراح ضحيته المئات من الشهداء والجرحى في ذروة استعداد الاسر العراقية للتسوق لاستقبال عيد الفطر الحزين في ذلك العام، وقد تجسَّد لنا ذلك التوظيف الدرامي من خلال فقدان الدكتور محمد(كريم محسن) لاسرته المكوَّنة من زوجته الدكتورة آلاء (آسيا كمال) وبناته الثلاث مريم (بيداء المعتصم) ونور (رفل الشمري) و سرى (هيلين نجم) في ذلك الانفجار، لكنَّه بقي أسيراً لوهم راسخ في خياله بأنًّ أفراد اسرته ما زالوا يعيشون معه ويشاركونه 
حياته.
وقد عَمَدَتْ التمثيلية إلى اختيار مناسبة عيد ميلاد البنت الصغرى(سرى) لإثارة قصة هذه الاسرة المنكوبة والتعريف بالحياة المرتبكة والمشوَّشة التي يحياها ( محمد)، اذ يعيش وحيداً في بيته الذي تشاركه فيه أرواح أو أشباح زوجته وبناته، وسبق له أنْ أُدخل إلى مستشفى الأمراض النفسية بمساعدة الدكتور حسن ( محسن الجيلاوي) للعلاج من أزمته النفسية وتداعياتها، بينما يحاول الدكتور فلاح (محمد حسين عبد الرحيم) إيقاظ (محمد) من غفوته الطويلة وانقاذه من حالة الوهم التي يعيش 
فيها.
ورغم أنَّ المدخل الواقعي معتمد على حادث التفجير الإرهابي إلا انَّ المؤلفة من حيث الفكرة وطريقة بناء السيناريو اعتمدتْ البناء المُركّب والصعب وإعادة الأحداث إلى الوراء من خلال التعامل مع الزمن الدرامي المتحرك بين زمنين متعاكسين: زمن يمضي إلى الأمام وزمن آخر يعود بنا الى الوراء ورغم ذلك لم تعتمد الكاتبة طريقة الاستذكار التقليدية والعودة الى الماضي (فلاش باك) بل اختارت طريقة التجسيد الآني الفعلي للأحداث وهي تنتقل بين الزمنين الحاضر والماضي من خلال اعتمادها الزمن الشاقولي المتحرّك والمتذبذب بينهما مع ملاحظة صعوبة وحساسية التعامل مع هكذا نوع من الزمن الدرامي بما ينطوي عليه من شخصيات وأحداث وأفعال، وبالفعل فقد تَرَكَتْ هذه الطريقة بعض الملاحظات الدرامية المتناثرة هنا وهناك.