صوت العشيرة

الصفحة الاخيرة 2021/09/30
...

حسن العاني
لو أن احد الأثرياء، خصص جائزة سنوية لأفضل شعب يجيد فن الهجاء والانتقاد والشتيمة، لفاز بها العراق كل سنة، وليس ادل على ذلك، إنّ أي شجار عابر بين جارين او شقيقين او صديقين، يكشف عن هذه الحقيقة، فالواحد منهم يبتكر من مفردات الانتقاص والعيوب والرذائل ما لم تعرفه قواميس الشتيمة، ثم يرمي بها 
صاحبه.
ونحن في السياسة كذلك، لا نرحم خصومنا ولا نبقي خطاً من خطوط الرجعة معهم الا وقطعناه، وهذا ما فعلناه مثلاً مع النظام الملكي بعد انقلاب 14 تموز 1958 فقد وصفناه بالبائد والرجعي والاقطاعي وجردناه من اية صفة تقدمية، كما وصفناه بالنظام العميل وجردناه من الوطنية واسقطنا عنه الجنسية العراقية، في حين أن قليلا من التأمل في اصدار الاحكام يمكن أن يقودنا الى صورة أخرى للنظام الملكي، فهو دولة القانون، مجلس الاعمار، حكومة الكفاءات، ويكفيه ان لم تكن لديه حسنات تذكر، انه كان ابعد ما يكون عن مفهوم الأقلية والأكثرية، فحيثما وجد (الكفاءة والنزاهة الوطنية) في الشخص اولاه المسؤولية من دون النظر الى لون عينيه او بشرته او دينه او قوميته، ولهذا تولى حقيبة المالية، وهي من اهم الحقائب، وزير يهودي وهو بمفاهيم عصرنا من (الأقلية) الدينية وكان من اكثر المسؤولين حرصاً على أموال العراق، وفعلنا الشيء نفسه لاحقاً مع عبد الكريم قاسم، وظل منهجنا السياسي على هذه الحال.
ويوصف النظام الأميركي بزعيم الامبريالية ورمز العدوان على الشعوب الى آخر أسوأ النعوت، ولكن أميركا ليست شراً مطلقاً، يكفي انها لم تنظر الى أوباما على انه ينحدر من (اقلية) إسلامية، ولو كانت تقيم وزناً للبشرة السوداء لما سمحت له بالوصول الى البيت الأبيض، كان فوزه بالنسبة للاميركان يمثل الكفاءة و الانتماء الى الوطن، في حين ما زلنا نتحدث في العراق عن (الأقليات) بطريقة 
تخدش الحياء الوطني وما زلنا نتجادل حول استحقاقاتهم البرلمانية وكأنهم نتوءات على الجسد العراقي، ونخضع في اوج صراخنا الديمقراطي الى (صوت العشيرة) الكامن في اعماقنا: جاهل من الأكثرية ولا عالم من 
الأقلية!.