التقاعد السياسي

الصفحة الاخيرة 2021/10/02
...

جواد علي كسار
اهتمام الكثيرين بظاهرة ميركل وانسحابها الطوعي من قمة السلطة التنفيذية في ألمانيا، هو ما دعانا لإطلاق مصطلح «التقاعد السياسي».
فالتقاعد إدارياً هو انتهاء الخدمة بفكّ الارتباط بالعمل الوظيفي، عبر ضوابط تتصل بمدة الخدمة والسنّ وطبيعة العمل، أما التقاعد السياسي فهو الانسحاب الطوعي السلمي من السلطة بالإرادة الذاتية، أو تركها بعد انتهاء المدّة القانونية للمنصب، من دون تعلل ووضع عثرات أو التفاف على القوانين والأعراف الموضوعة.
إذا رجعنا إلى الوراء قليلاً نجد أن طوني بلير زعيم حزب العمال البريطاني، فاز بثلاث ولايات متتالية، وحكم بريطانيا عشر سنوات (1997ـ 2007م) ومع ذلك فقد آثر الاستقالة وعدم التجديد حتى بعد أن قاد حزبه للنصر، وهذا ما حصل في ألمانيا، لكن بنسخة أجود كثيراً من النسخة البريطانية، عندما قرّرت ميركل التخلي عن السلطة بعد أربع دورات متتالية في المستشارية، ومن دون مشكلات مع حزبها، كما كان الحال مع طوني بلير.
الأمثلة على ذلك في الديمقراطيات السياسية ليست قليلة، لاسيما في الغرب، أما أميركا فقد استطاعت أن تبني تجربة خاصة في تقاعد الرؤساء، إذ لا يبقى للرئيس بعد مدتين رئاسيتين، سوى الجانب التشريفي، ومكتبة باسمه غالباً في ولايته، وجمعية خيرية أو مركز دراسات يرتبط به، وعدد من المقاعد الجامعية باسمه، والانصراف إلى الحياة الخاصة والتفرّغ لتدوين المذكرات، والمشاركة أحياناً في النشاط الاجتماعي والوطني العام بصفته مواطناً، من دون أن تسمح له الخبرة الأميركية بالاقتراب من مركز القرار السياسي ومؤسساته.
التقاعد السياسي يعيد هؤلاء القادة والرؤساء إلى حيّز المواطنة، وأنا أكتب هذه الأسطر يتصدّر فضائيات العالم، حكم القضاء الفرنسي ضد الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي، وإدانته بالسجن النافذ لمدة عام، وهذا ما حصل أيضاً مع مواطنه الرئيس الذي سبقه جاك شيراك، في قضية كانت تعود إلى عام 1976م، عندما كان عمدة لمدينة باريس.
التقاعد السياسي ليس ظاهرة منفصلة، بل هو حصيلة تجربة كاملة في الحياة، من المفيد أن يفكر بها سياسيونا في العالم العربي، بدلاً من المصائر البائسة في القتل أو العزل والسجن والإقصاء، والتاريخ خير شاهد أمامكم!.