دول الجوار الأفغاني ونظرة المصالح والخطر

بانوراما 2021/10/03
...

 لورا كينغ
 ترجمة: بهاء سلمان
لم يكن الأمر تكرارا بشكل دقيق لمجريات «اللعبة الكبرى»، المتمثلة بالنزاع السياسي والعسكري بين إمبراطوريات القرن التاسع عشر الساعية لفرض سيطرتها ونهب ثروات منطقة آسيا الوسطى، غير أن النهاية المفاجئة للوجود الأميركي في أفغانستان تركت بلدان الجوار تترقب بعضها البعض بحذر، مستشعرين كلا من الفرصة والخطر، يقول جيسون كامبل، الباحث في مؤسسة راند، والمتخصص بالأمن الدولي: «هنالك تزاحم جيوسياسي يجري حاليا، مع ترقّب وتدافع قوى إقليمية مثل روسيا والصين وإيران وباكستان، فالكل لديه مصالح يريد تأمينها».
وحتى مع تحطمها بسبب عقود من الحرب، ينظر إلى أفغانستان كجائزة، وتقاطع طرق ستراتيجي حيوي منذ أزمنة قديمة، وجبالها ووديانها تزخر بمعادن ومصادر طاقة لم يتم استغلالها، مع ذلك تخشى الدول المحاذية، وكذلك بعض الدول على نطاق إقليمي أوسع، من أن الدولة المقادة من قبل طالبان ربما تقف كتهديد محتمل، لكونها مصدّراً للإرهاب، أو منبعاً لرحلات اللجوء، أو كلاهما، وتتشارك أفغانستان بحدود مع ست دول، إيران إلى الغرب، وباكستان إلى الجنوب والشرق، وثلاث جمهوريات سوفيتية إلى الشمال، وممر رفيع يجاور الصين.
ولإدراكها بأن احتضانها لتنظيم القاعدة تسبب بالغزو الأميركي بعد هجمات 11 سبتمبر/ ايلول 2001، تقول حركة طالبان أنها لن تسمح باستخدام البلاد كحاضنة للتنظيمات المسلحة الخارجية، ويبدو أن هذا التعهّد ليس من السهل تنفيذه، فإحدى تلك الجماعات المسلحة، عصابات «داعش» الإجرامية، لديها موطئ قدم في أفغانستان، وصرّحت علنا بعدائها لطالبان.
 
تهدئة المخاوف
وبمواجهتهم لتشكيك هائل داخليا وخارجيا، يحاول قادة الحركة مقاومة التوقّعات الأكثر رهبة؛ فقد حثوا مواطنيهم على البقاء في البلاد بدلا من الفرار، مطلقين وعودا للشعب البالغ سكانه 38 مليونا بسياسات أكثر اعتدالا مما طبق في فترة حكمهم الأولى قبل عشرين عاما، وأكدوا بعدم وجود خصومة لديهم مع أي أحد.
ومع تحوّل الحركة من التركيز على القتال إلى دائرة الحكم، تتساءل دول الجوار إن كانت التحديات الداخلية الضخمة، من اقتصاد منهار ومعتمد على المعونات، مع أزمة إنسانية بسبب الجوع والنزوح الداخلي، ستشعل انتفاضة اجتماعية تتسرب عبر الحدود.
وبينما يتأنى الغرب في التعاطي دبلوماسيا مع طالبان، ليس أمام الدول القريبة جدا من المحور الأفغاني خيار كبير سوى التغافل نوعا ما، ولو مؤقتا، كما أن النظام الجديد يعمل مسبقا على تغيير ديناميكية علاقة السلطة مع الدول المجاورة. 
ومع توقع أن تسعى دول من العيار الثقيل، مثل روسيا والصين، إلى ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، ينشغل لاعبون آخرون، وبعضهم أقل حجما بكثير، بتقوية علاقاتهم مع الحكام الجدد لأفغانستان، فدولة قطر الحليفة للولايات المتحدة، تستخدم ببراعة التأثير الضخم لكونها وسيطا مستقلا للحكومات الغربية والمنظمات الدولية بالتعامل مع طالبان، وكانت قد استضافت قادة الحركة لسنين أثناء مكوثهم خارج البلاد؛ كما كانت الدوحة مسرحا لمحادثات السلام بين أميركا وطالبان.
أحد أكثر العلاقات الجديدة القديمة تعقيدا ستكون مع باكستان، التي كانت على مدى عقدين منشغلة بحساسية وضع صياغة تحالفها مع الولايات المتحدة مع كونها ملاذا آمنا لطالبان، وتم تعقّب زعيم القاعدة أسامة بن لادن وقتله سنة 2011 ببلدة أبوت آباد الباكستانية، رغم عدم إتهام واشنطن علانية للحكومة الباكستانية بايوائه.
 
علاقات قديمة
وابتهج كثير من كبار المسؤولين الباكستانيين بشكل صريح لانتصار طالبان، وقام جهاز الاستخبارات الباكستاني القوي بإرسال شخصيات ربما تلعب حاليا أدوارا مهمة بحكومة طالبان الجديدة، ومن ضمن هؤلاء خليل حقاني، القائد ضمن مجموعة منشقة تعمل مع طالبان وتحمل اسم الاسرة، وتتّخذ من الأراضي الحدودية القبلية مقرا لها.
بيد أن لدى باكستان سببا جيدا لقلقها حول تنامي الإرهابيين 
داخل حدودها، الذين ربما يتشجعون بسبب انتصار طالبان، ومن المحتمل ازدياد التوتر بين باكستان 
وعدوها اللدود الهند، التي كانت ترتبط بعلاقات متينة مع حكومة أفغانستان المخلوعة حاليا، واهتزت بعنف لسقوطها.
روسيا التي عانت من كارثتها العسكرية الأفغانية قبل أكثر من ثلاثة عقود، أبدت شماتتها علانية بالانسحاب الاميركي، وقال الرئيس فلاديمير بوتين ان المآسي وفقدان الأرواح هو ما نتج عن المهمة الأميركية. الوجود الاميركي الذي سخر منه بوتين، رغم ذلك، جلب الاستقرار إلى الجمهوريات السوفيتية السابقة: طاجكستان واوزبكستان وتركمانستان، وهي دول تحاذي أفغانستان، وتعدها روسيا بمثابة مصدات دفاعية، ويشير المحللون إلى أنه حتى مع محاولة روسيا لفرض نفسها بموقع الكفيل الإقليمي للأمن، فستكون راصدة عن كثب لعلامات زيادة قوة الحركات الدينية داخل دول آسيا الوسطى ضمن نطاق خاصرتها الجنوبية.
وكما هو الحال مع روسيا، أصدرت وسائل الإعلام الصينية، المسيطر عليها حكوميا، سيلا من التعليقات اللاذعة حول الأيام الأخيرة للقوات الأميركية في أفغانستان، ساخرة 
من أن حلفاء أميركا، مثل تايوان، والتي تعتبرها بكين مقاطعة ضالة، 
ينبغي عليهم القلق من الوثوق بواشنطن. 
ولدى الصين مخاوف أمنية خاصة بها، بضمنها إن كانت الشريحة الصغيرة للمنطقة الأفغانية المتاخمة لحدودها ربما تعمل كقاعدة لهجمات إرهابية يشنها المسلمون الإيغور، وهي أقلية اثنية مضطهدة تقيم في مقاطعة شينجيانغ، شمال غرب البلاد.
 
السعي وراء المشاريع
لكن قبل كل شيء، تنظر الصين إلى أفغانستان كفرصة ممتازة لأعمال تجارية، اذ تتطلع الشركات الصينية إلى الثروات المعدنية للبلاد، وبضمنها الليثيوم، وهي مادة أساسية لبطاريات أجهزة اللابتوب والهواتف الذكية والسيارات الكهربائية، كما تخطط الصين لإعادة افتتاح منجم نحاس «ميس ايناك» العملاق القريب من العاصمة الأفغانية، ومتحمّسة لتوسيع مبادرتها البنيوية المسماة «مبادرة الحزام والطريق»، ومع ذلك، من المرجح أن ينظر إلى وعود طالبان بحذر شديد، بحسب كامبل، الباحث بمؤسسة راند، ويضيف: «بالتأكيد، ترى الصين فرصة هناك، لكن يبقى السؤال هو إلى أي درجة يمكنها الوثوق بالتزامات طالبان».
الأفغان من جانبهم، يميلون لاحتضان بعض الأوهام لدوافع الغير في ما يخص دول الجوار، قريبها وبعيدها. ولا يثق الكثير من الأفغان على نحو كبير بالعالم الخارجي الذي سعى على مدى قرون لاستغلال البلاد وشعبها، أما الكاتب والمؤرخ الأسكتلندي ويليام دالرمبل، الذي كتب مطوّلا حول التورّط العسكري الكارثي لبريطانيا في أفغانستان خلال القرن التاسع عشر، فيقول ان حكام طالبان، رغم كونهم أبناء البلد الأصليين، لربما يواجهون الآن المشكلات نفسها التي فرضها الأجانب من قبل.
وتشمل تلك المشكلات عامة السكان المنقسمين، والقوات «المتفرّعة» المتولدة ممن داخل الحركة، كما كتب دالرمبل على موقع إحدى المجلات على الانترنت بعد عودة طالبان إلى السلطة، وأضاف: «مع تحويل طالبان قيادتها العسكرية إلى حكومة لأفغانستان، يتم مسبقا العمل على اختبار الحلفاء والترتيبات القبلية. وسيكون الوقت هو العامل الوحيد الذي سيكشف إن كانت الحركة ستبقى متوحدة، أو ستتفرع إلى اقطاعيات طالبانية إقليمية».