الشاعر رياض النعماني يكتب في مقام الفيروز

ثقافة شعبية 2021/10/03
...

 محمود نوحو ابراهيم
انه يسوق نصه أو يسوقه نصه إلى مكامن الأسرار، فينصب الكلمات فخاخاً ليصطاد القصائد، والإيقاع بها بشراك صوره المنحوتة بشغف، راعٍ يلم بعين الرب قطيعه، بعيداً عن ذئاب التمدن وجزاري المسالخ، مفرداته هي مفردات وحشة أنكيدو، ولوعة كلكامش، وأغاني السومري والبابلي، ووحشة الصابئي المندائي، ولواعج الآشوري، وتوجسات الخارجي، وبالمآل الأحدث هي الهور العراقي بكل حمولته اللغوية والشجنية، ووحشته الأكثر أنسية من مدنية النحاة، وصوابهم الأسود.. 
رياض النعمان شاعر الورد، وسليل الحلاج وابن عربي والبسطامي والنفري والجيلاني وهو معاصر و صفي مظفر النواب والركن الأساس لأغنية العملاق كوكب حمزة، والإمام الذي يكتب قصيدته بعيداً عن البهرجة والمنبرية المجانية والظواهر الصوتية التي ترى في القصيدة نص صوتي يدخل المتلقي في دهليز المؤثرات الصوتية، فإمام الورد نصف القائه وشرطه الأوحد للالقاء هو الصمت، كأني به يقايض متلقيه وفق: (القصيدة مقابل الصمت) 
فنصه حضور للقصيدة وليس لشاعرها، حضور للكلمة وليس صداها، حضور للصورة وليس (نيكاتيفها)، وحضور للحضرة وليس لمالها، وتجل للحال وليس توصيفها، وصاحب مقام الفيروز لكثرة ما يشف ويشفف نصه، يكاد لا يرى كحال جدنا المتنبي الذي لولا مخاطبته ايانا لم نره، والامام حالة شعرية شاعرية متفردة، بكل تجليات وجماليات الفردانية يرتقى بالمتلقي من تابعية المريد إلى فاعلية الصفي والخليل، ليصبح (بيني لبين الله وتر قوس)، وتنحاز الفاعلية الفيزيائية الوجودية الى أنساق أخرى بالحواس فهو: يرى بالقلب ويسمع بالروح، ويعرج بالفكر ويسري بالذاكرة، ليشترك بصمته في ترتيل النص النعماني بتلاوة صاحبه امام الورد وغنائية صاحب المقام الاميز، مقام الفيروز الذي يرتفع بالإمام والمريدين الى مآل حضرة حداثوية تعول على حضرة ارثية وتتمثلها
وتستوحيها وتشاكلها ولا تستند عليها وتركن اليها، النعماني ناي القصيدة الشعبية العراقية، وبالتأكيد سأدفع وأدافع عن مقولتي بأنه (انسي الحاج : صاحب لن والرأس المقطوع والوليمة والرسولة بشعرها الطويل وكلمات وخواتم....إلخ) القصيدة الشعبية العراقية فهناك من التماثل والاشتباك بين نصوص كل منهما والمطروح والسائد الكثير في ذلك الهمس الغض والخشن معا في تلك المفردات التي تستحضر بايقاعية باطنية فيها من أسرار المعلمية الكثير، وذلك النفس الرسولي والرسالي ما يجعل منهما صوتين رغم خفوتهما منبريا بحيث يبدوان كنأمتين جارحتين بكل معاني الجرح بما في ذلك معنى الجرح للفصد والعلاج.
ولي كقارئ بسيط ولكن محب للنعمان أن ارى فيه انه صاحب نص بما لمدلول كلمة نص من ايحاءات واقصدها كلها وحمولات وأعنيها بعينها وتأويلها ايضا، واذا كان لأدونيس الذي يحبه النعماني(وكتب نص عنه  ويرى فيه الكثير) كتابه الموسوم بـ (الكتاب... امس المكان) (ثلاثة أجزاء والذي أحدث أشكالاً انطلاقاً من عنوانه)، ارى (ومن أنا لارى معتذرا من محمود درويش ولاعب نرده) ارى ان للإمام النعماني (واتقصد اللبس والالتباس ربما لدى البعض بين الإمام النعمان صاحب المذهب الفقهي والنعماني صاحب النصوص الذهب والمذهب شعريا)، وان لم يكن ذلك في واقع الحال وذلك لكسل وزهد الإمام في النشر وانما في افق الافتراض المشتهى كتابا مغايراً مختلفاً يوسم بـ (النصَ... لإمام الورد) 
هكذا أكون قد كتبت هامشاً صغيرا، لمتن كبير هو محبتي للإمام الأكبر للورد، ولمن لا يعرف رياض النعماني لن أقول له من هو، لان من لا يعرفه أفترض انه يجهل نصف الشعر ونصف القصيدة ونصف المحبة
ويجهل الامامة والمرجعية النصية للقصيدة الخالصة شعرا، والخالصة عذوبة وحبا وهمسا من دون مهرجانية اللطم والبكاء أو البهلوانية والتهريج، انها الشعر الجوهر، الشعر الذي يسمو بوجع الأسئلة الجارحة من مثل (منو مثلي حزن شاف، منو مثلي صحا من السكر وتورد وشفاف) 
ومن أحو الإمام الورد، وأنخاب حضرته، وأحوال ارتقائه وتجليه قصائد هي أقراط وعقود ودمالج وأساور وأحلاق وخواتم في صندوق القصائد الحلي هو.. هو، نحو الكرز، بستان السكر، ليل، معاندين... أهنا، بكد ماعطر، مابيا كلشي، بساتين البنفسج، غيبة جوري، جسمج ، جنون، والجوهرة النفيسة الموجعة ممنوع.. ممنوع.
وللإمام ثلاثة عقود هي: 
-إمام الورد
-مقام الفيروز
-ندى على جبين الغزالة.