عبد الهادي مهودر
في الايام الاخيرة لعهد المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، ظهر اسم (نجلاء بودن) التي اختارها الرئيس التونسي قيس سعيد لرئاسة الحكومة من بين كل الرجال والنساء التونسيات، وقد ضرب سعيد ضربته، باختياره للمرة الاولى في تاريخ تونس امراة لهذا المنصب الذي يكسر ظهور الرجال، وخلّص نفسه من موجة الانتقادات ولو بشكل مؤقت الى حين نجاح او فشل تجربة رئيسة الوزراء، وبالنسبة للسيدة ميركل فهي ايضا اول المانية تتبوأ هذا المنصب، ومن الطبيعي في بلد اوروبي أن تخرج من القصر الى الشارع وتركب الباص وتتبضع كمواطنة عادية، لكن الخوف كل الخوف على نجلاء التونسية التي تعيش بين مطرقة المجتمع الذكوري العربي وسندان غيرة النسوان وتراكم الأزمات والبطالة، وبريق اختيارها كامراة سرعان ما يخبو أمام مطالب المواطنين الذين لا يهمهم من يجعل حياتهم افضل رجلاً كان أم امراة، ونجلاء مع حفظ الالقاب مواطنة عربية من شعبٍ متطلع يريد الحياة ولابد أن يستجيب القدر، وهي امرأة من القيروان لم تتهيّب صعود الجبال، وقد توصف كأقوى امرأة كما وصفت ميركل، لكنها ليست صانعة القرار في بلادها، وفوقها رئيس شديد كما فوق كل امرأة عربية رجلٌ (يشكمها)، والكفّة تميل للمسؤول الاوروبي الذي تعشقه الجماهير العربية اكثر من ابناء شعبه الذين يحصون عليه انفاسه وتجلده رقابتهم وصحافتهم بلا هوادة، بينما لا ينال المسؤول العربي رضا شعبه بسهولة مهما كتبت عنه الصحف وحتى لو قاد سيارته بنفسه والويل له اذا ملأ خزان سيارته بيده الكريمة مثل أي (بوزرجي)، وصورة المسؤول الغربي تنال آلاف الاعجابات وصورة المسؤول العربي تعلوها عبارة (صورني وآني ما ادري)، والفرق شاسع ليس بين انجيلا ونجلاء بل بين المانيا المشغولة بالبحوث العلمية والتغيير المناخي وبلادنا العربية المشغولة بالبحث عن المواهب الغنائية والعاجزة عن توفير لقمة العيش وفرص العمل، والمانيا باستقرارها وقوة اقتصادها ومؤسساتها الراسخة هي التي صنعت انموذج ميركل مثلما صنعت سلفها المستشار العم (شرودر) ومن سبقه، ولكل منهم اسمه الذي لا يقل لمعاناً عن اسم ميركل، ولذلك تبقى مهمة العربية نجلاء بودن اصعب بكثير من مهمة الالمانية انجيلا ميركل، ومع ذلك ليس مستحيلا ولادة نماذج عربية مماثلة، فالأمر لا يحتاج من السياسية والنائبة والمرشحة غير صدق مع الناس وأمانة وكفاءة ونظافة يد اكثر من حاجته الى زفت وتبليط ونفخ وشفط وبوتكس، ولَكنَّ في ميركل اسوةٌ حسنة.