سامر المشعل
شكا لي أحد الفنانين الكبار، بعد عودته من جولة فنية في اميركا، وهذه الحكاية تعود الى أكثر من عشرين عاما خلت، وقال التقيت بالفنان فؤاد سالم وكان لقاء حميميا، بعد فراق لسنوات طويلة، بسبب معارضة الفنان فؤاد سالم رحمه الله للنظام الدكتاتوري السابق. والحديث ما زال على لسان الفنان، كنت سعيدا باللقاء كون الفنان فؤاد سالم صديقي منذ السبعينيات، لكنه اعتذر عن دعوتي الى بيته، وظننت أن زوجته غير موجودة أو ربما تكون مريضة، لكنه كشف عن صلافة شعرت معها بالاهانة، اذ قال لي «أنا قطعت عهدا على نفسي الا أستقبل في بيتي أي فنان غنى للطاغية صدام حسين».
هذا الموقف المبدئي من الفنان فؤاد سالم، والذي عرف بنضاله وموقفه السياسي الصلب من نظام البعث الصدامي، وكان يندد ويفضح اساليبه العدائية، بينما في الطرف الاخر كانت تقف جوقة كبيرة من المطبلين والمداحين للنظام.
وبين الفريقين، المؤيد والمعارض، ثمة من يفوز بعطايا ومكرمات السلطة وبين من يدفع ثمن موقفه السياسي بالسجن والاعتقال والغربة والحرمان من رؤية الاهل والاقارب والوطن.
هذا يفتح الباب على مصراعيه لولوج عالم الاغنية السياسية بالعراق، الذي بدأ مع ثورة العشرين بالعصر الحديث، اذ كتب الشعراء الاهازيج والهوسات التي تحرض على الثورة، ثم استمرت الاغنية السياسية تواصل خطابها وتواكب الاحداث السياسية الى يومنا هذا.
عادة ما تكون الاغنية السياسية منطلقة من ايديولوجيا أو الدفاع عن قضية سياسية أو مرتبطة بحزب معين أو تمجد شخصية سياسية أو زعيما أو قائدا.
وقد كان للحزب الشيوعي العراقي رصيد كبير في مجال الاغنية السياسية ولروادها على مدى أكثر من نصف قرن ومنهم على سبيل المثال الفنان حميد البصري، طالب غالي، فؤاد سالم، كوكب حمزة، جعفر حسن، سامي كمال، كمال السيد، شوقية العطار، انوار عبد الوهاب، وطارق الشبلي وآخرون، بالاضافة الى طائفة من الشعراء الذين كتبوا في مجال الاغنية السياسية، وكانت اغانيهم تنشد للحرية والسلام وبناء الوطن وتمجد نضال الحزب ورموزه.
اما الاغنية الوطنية، فهي تكون خالصة لوجه الوطن وبدوافع وطنية بحتة، من دون مغازلة لسلطة أو رئيس أو جهة سياسية معينة، والاغنية الوطنية هي ابقى في المكوث في ضمير الشعب وتقاوم تقلبات الحكام والانظمة.
في السنوات الاخيرة ظهرت موجة من الغناء من غير اللائق تسميتها بالغناء السياسي، انما توضع في خانة الانتهازية الفنية، لمطربين وشعراء وملحنين يكتبون لشخصيات سياسية معروفة بفسادها وثرائها على حساب الشعب، من أجل مبالغ مادية لا أكثر.
بعض هؤلاء المطربين هم نجوم في عالم الاغنية ولهم جمهورهم، لكن طمعهم اسقط ورقة التوت التي كانوا يتسترون بها باسم الوطنية والمبادئ.