أحلام مائية

الصفحة الاخيرة 2021/10/05
...

حسن العاني
 
لم تكن قراءاتي المبكرة في علم النفس كبيرة ولا عميقة، لأن اهتماماتي بالمباحث النفسية كانت أقل من الثانوية مقارنة بانصرافي الكلي أو شبه الكلي الى الرواية والقصة والشعر والدراسات الأدبية، ومع شحة تلك القراءات المبكرة فقد اقتنعت – وما زلت – برؤية علم النفس للأحلام، اذ يرجعها الى عاملين رئيسين : الأول: احداث قد تكون موغلة في القدم يختزنها العقل الباطن، والثاني: وقائع واحداث معاصرة جداً ربما مر بها الانسان قبل بضع ساعات او يوم او أسبوع، وفي الحالتين تأخذ الاحلام – في العادة – صيغة رموز واضحة احياناً ومعقدة احياناً أخرى، اما الكوابيس فلا تخرج عن الاحلام، ولكن أسبابها من نوع آخر، فقد يحدث الكابوس نتيجة تناول طعام (ثقيل) في وقت متأخر، او بسبب حالة خوف او قلق شديد يتعرض له الانسان في الصحو.
قبل ثلاثة أيام تقريباً، رأيت فيما يرى النائم وكأنني أشارك في تظاهرة شعبية أمام وزارة التجارة، وقد التحق في التظاهرة ملايين العراقيين بصورة إجبارية ممن تحق لهم المشاركة في الانتخابات والمطلب الوحيد لنا هو توفير الماء – الحقيقة كنت نهار ذلك اليوم قد استمعتُ الى حوار بثته احدى الفضائيات حول التأثيرات المستقبلية الخطيرة التي يمكن أن يتعرض لها البلد نتيجة الموقف السلبي الذي أقدمت عليه تركيا وايران في حجب معظم الروافد التي تغذي العراق بالماء – وقد اثار استغرابي في الحلم وجود اعداد غفيرة من المتظاهرين قدموا من هولندا والصومال واليابان وأميركا ومصر والأردن وفرنسا وجيبوتي، وشاركوا العراقيين في مطلبهم المشروع بتوفير حصة العراق المائية على وفق القوانين الدولية والإنسانية، من مجريات الحلم فهمت ان الحكومة العراقية – وهي تواجه هذه الازمة المرعبة – قد خصصت لكل مواطن (لترين) من الماء للشرب والطهي والاستحمام والوضوء وغسيل الصحون والملابس ...الخ، في حين يريد المتظاهرون (8) لترات!.
كانت التظاهرات في غاية التنظيم وكان رجال الشرطة والامن حريصين اشد الحرص على حماية المتظاهرين، بينما كان الآلاف من رجال ونساء الأحزاب والكتل والتيارات والطبقة السياسية والمسؤولين يوزعون عليهم المشروبات الغازية والعصائر والكيك، وكأنهم على أبواب حملة انتخابية، بل ان بعض افراد الطبقة السياسية راح يردد هتافات المتظاهرين نفسها، في حين ذهب بعضهم الاخر الى المطالبة بجعل حصة المواطن اليومية (24) لتراً من الماء!.
ليلة لا أروع منها ولا احلى، رقصنا فيها وغنينا ثم ذهبنا الى منازلنا متعبين، ونمنا نومة هانئة، ومع اشراقة الشمس استيقظنا على خبر عاجل مفاده ان الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد دفعت الحكومة الى الغاء الحصة المائية وحث الشعب على استعمال مياه الأنهار والامطار، وتمنينا لو لم نستيقظ، ولكن لا بأس فهو مجرد حلم، ولكن المشكلة كما سبق القول، هي ان الاحلام انعكاس لمعاناتنا اليومية، والذين يكذبون علينا في اليقظة، يكذبون علينا كذلك في 
الحلم!.