عفاف مطر
الكثير من المراقبين والمهتمين بالأعمال الدرامية والأفلام والبرامج.. الخ، يرى أن المستقبل للمنصات الرقميَّة مثل منصة شاهد ومنصة نتفليكس ومنصة ديزني ومنصة أمازون وغيرها، إذ يعتقدون أنها بدأت فعلاً تأخذ مكان التلفزيونات في كل العالم، ومع ذلك هناك من يرى أنَّ المنصات الرقميَّة ما زال أمامها بعض الوقت حتى تستحوذ على انتباه المشاهدين بصورة كاملة وينتهي عصر مشاهدة التلفزيونات.
مسلسل ثلاثون حلقة هو النموذج الذي تربينا عليه واعتدناه أعواماً طويلة، ثم جاءت موجة المسلسلات المكسيكية والتركية التي تتجاوز حلقاتها المئة وأكثر، فأسرع المنتجون العرب لإنتاج مسلسلات بستين حلقة أكثر أو أقل، لكنَّ النتيجة جاءت عكسيَّة تماماً، إذ لم تنجح معظم هذه الأعمال كما نجحت المكسيكية والتركية في البيئة العربية، بل تمرد المشاهد العربي على الثلاثين حلقة، وأصبح لا يحتمل الثلاثين حلقة إلا في رمضان، فجاء عصر المنصات التي تبدأ حلقات مسلسلاتها بأربع حلقات ولا تتجاوز الخمس عشرة حلقة أو عشرين على الأكثر، فضلاً عن ذلك المنصة وفرت للمشاهد العربي أعمالاً بعدد حلقات قليلة ذات محتوى ونوعية ممتازة، على العكس من التلفزيونات التي تعرض الصالح والطالح؛ كما أنَّ المنصات تعرض المسلسل بكامل حلقاته فوراً، فلا يُجبر المشاهد على الانتظار يوماً بعد يوم ليرى التتمة، وبذلك هي أكثر مرونة، فأينما كان ووقتما شاء يستطيع أنْ يشاهد ما فاته ويُعجِل ما يريد مشاهدته وكل ذلك بمبالغ رمزية جداً، وباشتراكات شهرية
وسنوية.
في المقابل يرى ويدافع أصحاب القنوات الفضائية عن التلفزيون ويدّعون أنَّ المشاهد في أي مكان في العالم لن يستغني عن التلفزيون، لأنه إدمان منذ الصغر، وبرأيي أنَّ هذا حقيقي الى حد كبير، وكي يستطيع أنْ يواجه التلفزيون هذه المنصات الرقميَّة، تحولت أغلب القنوات الى شركات إنتاج، إذ كانت سابقاً تشتري الأعمال من شركات الإنتاج الصغيرة والكبيرة وتعرضها على الشاشة، أما الآن فأصبحت أغلب هذه القنوات الفضائية وأنا هنا أتحدث عن القنوات الضخمة كالـ MBC مثلاً، تنتج أعمالها بنفسها، أولاً لتتأكد من جودة المحتوى وثانياً حتى تضع محتوى وموادَّ تناسب المشاهد العربي، ذلك أنَّ أغلبها الآن صارت لديها أقسامٌ وإدارات ضخمة ومتخصصة في دراسة مزاج المشاهد العربي والأوقات التي تناسبه، على الجانب الآخر وصل طموح المنصات الرقميَّة بعد نجاحها في استمالة المشاهد الى أنْ منصة أجنبيَّة مثل نتفليكس تعتقد أنها ستنافس القنوات الفضائية العربية، فجاءت منصة شاهد التابعة لمجموعة قنوات MBC لتقف أمام هذا التحدي الجديد بعد أنْ اكتسحت القنوات الفضائية العربية كلها، وعلى الرغم من وبحسب تصريح تلفزيوني لمدير قنوات MBC أنَّ نتفليكس تفوق قدرتها المالية والانتاجية منصة شاهد بأضعاف مضاعفة إلا أنَّ شاهد ستقف أمام مد نتفليكس بفضل تراكم خبرة على مدى ثلاثين عاماً، ويرى في نتفليكس محفزاً لتطور شاهد، وهو أمر وجده العديد في حينها كلاماً مبالغاً، لكنَّ الواقع أثبت صحة التوقعات في أنَّه لا يمكن لمنصة أجنبية أنْ تنافس منصة عربية مثل شاهد، صحيح أنَّ هناك منصات عربية كثيرة اختفت بعد أنْ كانت في الريادة لكن السبب ليس ظهور نتفليكس بل لتراجع الجودة في إنتاج المحتوى في تلك المنصات وهو أمرٌ يمكن قياسه بالعين المجردة.
الجميل في ظهور المنصات الرقمية أنها حفزت الإنتاج المرئي نحو التطور، كما أنَّ هامش الحريات في محتوى المنصات عالٍ جداً مقارنة مع القنوات الفضائية. مما عزز تفوق منصة شاهد أنها لم تستند على الاستفادة من التجربة الأميركيَّة على اعتبار أنها الرائدة في المجال الدرامي والسينمائي في العالم، فعلى سبيل المثال المسلسلات الكوميدية الأميركيَّة تحديداً لا يمكن أنْ يكتبها كاتب واحد، بل يكتبها فريق من الكتاب (ورشة كتابة) وهذا منذ الثمانينات كمسلسل (Friend’s)، شاهد في رمضان 2020 انتجت مسلسلين وهما (مخرج 7) بطولة ناصر القصبي، ومسلسل (استوديو 20) بطولة مجموعة من الشباب السعودي والكويتي، وفي كليهما كان التأليف يخرج من مجموعة من الكتاب تحت إشراف خلف الحربي، لهذا جاء هذان المسلسلان الأعلى نسبة مشاهدة (150 مليون مشاهدة) هذا غير نسبة المشاهدة على القناة الفضائية الـ MBC ولو تخيلنا أنَّ الأيام المقبلة ستظهر لنا منصة رقمية تنافس منصة شاهد، حينها يمكننا القول، ربما، باي باي
تلفزيون.
بيني وبينكم وبالرغم من كل ما ذكر سابقاً وبالرغم مني اشتراكي بالمنصتين، إلا أنَّ متابعة الأعمال الدرامية على التلفزيون ما زال له نكهة خاصة، فحتى حين أتابع شاهد أونتفليكس أتابعهما عن طريق التطبيقات على الـ Smart Tv كي أحظى وأشعر بأني أتابع التلفزيون وليس منصة
رقمية.