متناقضات

الصفحة الاخيرة 2021/10/06
...

حسن العاني 
يصفُ نقادُ الأدبِ العراقيون، العقدَ الستيني من القرن الماضي، على إنه عقد الازدهار الثقافي في العراق ، حيث تألقت العطاءات الفكرية وبلغ الابداع الشعري والقصصي والروائي والمسرحي مالم يبلغه في يوم من الأيام ، ولكن المفارقة الغريبة ، ان تاريخ العراق السياسي المعاصر، لم يشهد مرحلة تتسم بالبؤس والتردي كتلك المرحلة التي عصفت بالعراق في منتصف الستينات ، فالحصول على وظيفة مثلاً، أصبح ضرباً من ضروب المستحيل ، كما اصبح توفير لقمة العيش من 
( العمل الحر) غاية لاتدرك، وذلك لغياب المشاريع الصناعية والزراعية والنفطية والعمرانية والتجارية على حد سواء ، وقد شمل هذا الغياب القطاعين العام والخاص، ومن هنا يمكن القول بكثير من الاطمئنان، إن العراق احتل المرتبة الأولى في نسبة البطالة عالمياً في ظل النظام العارفي معظم سنوات العقد الستيني ، الذي إمتد مابين الأعوام 1963 - 1968 وهي مرحلة الحكم التي تناوب عليها الشقيقان عبدالسلام وعبدالرحمن محمد عارف .
في مواجهة تلك الظروف القاسية ، كان من الطبيعي جداً ان تعبّر الناس عن استيائها ، وعن غضبها بشتى الوسائل والطرق ، وقد وقفت النكتة السياسية في مقدمة وسائل التعبير الشعبي لأنها سلاح فتاك : يتفوق تأثيره على فوهة البندقية ، وليس سراً ، إن التجارب الثورية في العالم قد لجأت الى أساليب السخرية من الأنظمة الدكتاتورية ، والضحك عليها ، على انها جزء حيوي من أنماط النضال الجماهيري الذي اضعف تلك الأنظمة ونخر جسدها ، وجعلها آيلة للسقوط..
وفي العود الى ستينات القرن الماضي ، نلاحظ ان الحس الشعبي الساخر ، قد ركز في هجومه على محاور معينة من طبيعة النظام كسيادة الروح العسكرية والانقلابات وغياب الحرية واعتقال القوى اليمينية واليسارية على حد سواء ، ولكن محور (السخرية) الأهم، كان يقوم على الميدان الاقتصادي ، وتفشي السرقة والرشوة ، وتذكر لنا احدى النكات اللاذعة ان [ احد الصحفيين الأجانب سأل رئيس الوزراء عن رأيه فيما يشاع عن إستحواذه على ممتلكات الناس واراضي الدولة بغير حساب ، فرد عليه قائلاً : هذا غير صحيح أبداً ، فأنا لا امتلك شيئاً يذكر سوى قطعتين سكنيتين في بغداد فقط، إحداهما تدعى الكرخ ، والأخرى تدعى الرصافة !!]، كان هذا على أيام العسكر والدكتاتورية، اما الان في ظل الحرية والديمقراطية ، فأن الصحفي لو سأل أي حوت من حيتان الفساد عما يشاع عن فساده ، لرد عليه بشفافية: هذا غير صحيح ، فأنا لا امتلك غير قطعة أرض واحدة تدعى 
العراق!!