رضا المحمداوي
وجدت شركة (أبل) العملاقة في مجال التكنولوجيا، نفسها في سباق مع الشركات الأخرى مثل (نتيفلكس) في عالم تقديم خدمات الفيديو بالبث التدفقي- الرقمي والمدفوع الثمن مسبقاً. وجاء المسلسل التلفزيوني (إستعراض الصباح) بحلقاته العشر وباسلوبهِ السينمائي ليدشن هذا التوجّه الجديد لها، وهو من بطولة: جنيفر انيستون و(ريس ويذرسبون) و(جيمس كاريل) وفيه يتم التعرض لظاهرة التحرش الجنسي في أوساط هوليوود السينمائية لينقلها المسلسل إلى إحدى شبكات التلفزيون من خلال برنامجها الصباحي الإخباري الذي يحمل المسلسل اسمه، وسرعان ما يغوص المسلسل من خلال مجريات وتفاصيل ذلك البرنامج إلى أعماق أخلاقيات الإعلام الأمريكي وسيطرة رأس المال المهيمن عليه وعلى حركة المجتمع وصولا إلى هرم السلطة وقبضتها الماسكة بدفة الأمور والمتحكمة بها.
قطعة الدومينو الساقطة الأولى التي ستهدم بناء الشبكة برمتها تتمثل بطرد أحد مقدمي البرنامج المشهورين: متش كيسلر (الممثل: جيمس كارين) بعد تسرب عدة شكاوى ضده إلى الصحافة عن التجاوزات الجنسية التي أُتهِمَ بها، ورغم أن (متش) هو مراسل الشبكة في البيت الأبيض الأمريكي ومدير المناظرات الرئاسية ومراسل ميداني وقد حصل على عدة جوائز خلال عمله طوال 15 عاماً، إلا أنَّ الفضيحة الأخلاقية أكبر من كل هذا ولا بُدَّ من الاستغناء عنه، ومن هنا تبدأ مرحلة البحث عن بديل عنه وسيقع اختيار أليكس ليفي (الممثلة جنيفر انيستون) شريكة (متش) في التقديم وتربطها معه قصة حب قديمة، على المراسلة الشابة: برادلي جاكسون (الممثلة ريس ويذرسبون) في تقديم فقرات ذلك البرنامج.
لكن هذه البديلة الشابة لا تنقذ (أليكس) من ضياعها وتخبطها وعدم معرفتها بما يجب أنْ تفعله بعد فقدانها لزميلها القديم وحبيبها السابق، وبالمقابل تشعر الشبكة ومنتجو البرنامج بأنَّ البرنامج الصباحي فَقَدَ بريقَهُ وانخفضتْ نسبة المشاهدة له ولا بُدَّ من تقديم كبش فداء حتى لو كانت (اليكس) نفسها المعروفة بنزاهتها وطالما جَسَّدتْ الدور الحيوي ليس للعمل التلفزيوني فحسب وإنما لسياسة الدولة واقتصادها وفي الحياة اليومية للشعب الأمريكي.
لكن نسبة المشاهدة لتك الشبكة وللإعلام الأمريكي عموماً ليست كلاماً عابراً بل هي أموال الإعلانات التي تموّل الشبكة وتدعمها وتوفّر رواتب موظفيها، وتبقى الشبكة مؤسسة ربحية لا يمكن أن تلحق الضرر بمصالحها من أجل المصلحة العامة فهذه هي أمريكا والمال هو الأهم، وهناك الملايين من الدولارات تنتظرها من الإعلانات المؤجلة وليس بوسعها تحمّل المزيد من المشكلات خاصة في ظل وجود منافسة المنصات والبث الالكتروني وهناك مخاوف من انهيار البث التلفزيوني برمته بإغماضة عين وربما تباع شبكات التلفزيون وقنواتها إلى الشركات التقنية الألكترونية ما لمْ تتم إعادة هيكلته من جديد؛ ذلك أن الحاجة إلى الصحافة الالكترونية الهادفة لا غنى عنها وتبقى مطلوبة، وها هي الناس من خلال الموبايل قد بدأتْ تستقبل الأخبار بواسطة الأجهزة التي بين يديها وعلى مدار الساعة وبالطريقة التي تعجبهم وربما عرض مقطع فيديو بدقائق معدودة على أحد المواقع الألكترونية سيحقق ملايين المشاهدات ليصبح المقطع نفسه، في ما بعد، مادة تلفزيونية، فالبشريَّة قد أدمنتْ هذه الأجهزة والتعامل اليومي معها وبسبب ذلك سادتْ العزلة والوحدة وأصبحَ العالم
أكثر كآبة.
ومن هنا ترى الشبكة من خلال البرنامج الصباحي أن التلفزيون الآن ليس للأخبار والبرامج والتحقيقات وإنما للترفيه وإبقاء الجمهور معلقاً في عالم الأحلام فهؤلاء الناس المصابون بالكآبة بحاجة إلى مهرب أو ملاذ.
ولذا ترى القناة التلفزيونية أنَّ (أليكس) قد أصبحتْ (أرملة) على حد وصف أحدهم بعد فقدانها لـ(متش) ولا فائدة منها ولا بُدَّ من التضحية بها وهو ما ينسجم تماماً مع سمات صناعة الترفيه الإعلامية الأمريكية والقائمة أساساً على تحويل النجوم المفضلين والمحبوبين من قبل الجمهور إلى أناس فائضين عن الحاجة، أو العمل على تشويه صورتهم العامة.
لكنَّ (اليكس) بخبرتها وتجربتها الإعلامية الطويلة مع (برادلي) بحيويتها واندفاعها المهني يكشفان في النهاية عن حقيقة الأمور ويفضحان ما يدور خلف كواليس تلك الواجهة البراقة للإعلام التلفزيوني الأميركي من تعمد من إشاعة ثقافة الغباء والجهل، وتعمدان كذلك عن طريق البث المباشر للبرنامج إلى كشف الحقائق وفضح الأساليب الدنيئة في التعامل المهني وفي الأخير توجّهُ (أليكس)خطابها إلى شرائح الجمهور الصباحي مباشرةً وتقول لهم: بأنكم لم تعودوا تملكون زمام الأمور كما أنكم لستم الأصحاب الشرعيين للسلطة فمالكو المؤسسة الإعلامية هم الذين يمسكون بدفة الأمور ويتحكمون بها ومن فوقهم أصحاب السلطة من الأحزاب الأمريكية الحاكمة الذين يديرون البلاد بأكملها من خلال إساءة استخدام السلطة نفسها وإشاعة الفساد المؤسساتي وإشاعة ثقافة الخوف والسكوت.
وأخيراً تطلب (اليكس) و(برادلي) من الجمهور رفع أصواتهم العالية ضد تلك الثقافة، لكن السلطة الحاكمة لا تجد إزاء المأزق الأخلاقي المبثوث على الهواء مباشرةً غير قطع البث المباشر والتشويش على القناة وبرنامجه الصباحي ليبقى كل شيء معلقاً في الهواء.